فيها الاعتباران بعينهما فهي ما لم يرد الله تحققها ولم يتم لها العلل والشرائط الموجبة لوجودها باقية على حال التردد بين الوقوع واللاوقوع فإذا شاء الله وقوعها وأراد تحققها فتم لها عللها وعامة شرائطها ولم يبق لها إلا أن توجد كان ذلك تعيينا منه تعالى وفصلا لها من الجانب الآخر وقطعا للإبهام ، ويسمى قضاء من الله.
ونظير الاعتبارين جار في مرحلة التشريع وحكمه القاطع بأمر وفصله القول فيه قضاء منه.
وعلى ذلك جرى كلامه تعالى فيما أشار فيه إلى هذه الحقيقة ، قال تعالى : « وَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ » البقرة : ١١٧ ، وقال : « فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ » حم السجدة : ١٢ ، وقال : « قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ » يوسف : ٤١ ، وقال : « وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ » إسراء : ٤ إلى غير ذلك من الآيات المتعرضة للقضاء التكويني.
ومن الآيات المتعرضة للقضاء التشريعي قوله : « وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً » إسراء : ٢٣ ، وقوله : « إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ » يونس : ٩٣ ، وقوله : « وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ » الزمر : ٧٥ ، وما في الآية وما قبلها من القضاء بمعنى فصل الخصومة تشريعي بوجه وتكويني بآخر.
فالآيات الكريمة ـ كما ترى ـ تمضي صحة هذين الاعتبارين العقليين في الأشياء الكونية من جهة أنها أفعاله تعالى ، وكذا في التشريع الإلهي من جهة أنه فعله التشريعي ، وكذا فيما ينسب إليه تعالى من الحكم الفصل.
وربما عبر عنه بالحكم والقول بعناية أخرى قال تعالى : « أَلا لَهُ الْحُكْمُ » الأنعام : ٦٢ ، وقال : « وَاللهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ » الرعد : ٤١ ، وقال : « ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ » ق : ٢٩ ، قال : « وَالْحَقَّ أَقُولُ » ـ ص : ٨٤.
٢ ـ نظرة فلسفية في معنى القضاء : لا ريب أن قانون العلية والمعلولية ثابت وأن الموجود الممكن معلول له سبحانه إما بلا واسطة معها ، وأن المعلول إذا نسب