يتلقى وجوده من قبله ، ومن المحال أن يعود ما يفيضه العلة فيقهر العلة فيضطرها على الفعل ويغلبها بتحديده.
ولقد أنصف صاحب روح المعاني حيث أشار أولا إلى نظير ما تقدم من البحث فقال : ولا يخفى أن هذا إنما يتم على القول بأنه تعالى لا يمكن أن تكون إرادته متساوية النسبة إلى الشيء ومقابله بلا داع ومصلحة كما هو مذهب الأشاعرة وإلا فقد يقال : إن الفاعل للكل إذا كان مختارا فله أن يختار أيما شاء من الخيرات والشرور لكن الحكماء وأساطين الإسلام قالوا : إن اختياره تعالى أرفع من هذا النمط ، وأمور العالم منوطة بقوانين كلية ، وأفعاله تعالى مربوطة بحكم ومصالح جلية وخفية.
ثم قال : وقول الإمام : « إن الفلاسفة لما قالوا بالإيجاب والجبر في الأفعال فخوضهم في هذا المبحث من جملة الفضول والضلال لأن السؤال بلم عن صدورها غير وارد كصدور الإحراق من النار لأنه يصدر عنها لذاتها ».
ناش من التعصب لأن محققيهم يثبتون الاختيار ، وليس صدور الأفعال من الله تعالى عندهم صدور الإحراق من النار ، وبعد فرض التسليم بحثهم عن كيفية وقوع الشر في هذا العالم لأجل أن الباري تبارك اسمه خير محض بسيط عندهم ولا يجوزون الشر عما لا جهة شرية فيه أصلا فيلزم عليهم في بادئ النظر ما افترته الثنوية من مبدأين خيري وشري فتخلصوا عن ذلك البحث فهو فضل لا فضول. انتهى.
قوله تعالى : « قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلاً » المشاكلة ـ على ما في المفردات ، ـ من الشكل وهو تقييد الدابة ، ويسمى ما يقيد به شكالا بكسر الشين ، والشاكلة هي السجية سمي بها لتقييدها الإنسان أن يجري على ما يناسبها وتقتضيه.
وفي المجمع ، : الشاكلة الطريقة والمذهب يقال : هذا طريق ذو شواكل أي ينشعب منه طرق جماعة انتهى. وكأن تسميتهما بها لما فيها من تقييد العابرين والمنتحلين بالتزامهما وعدم التخلف عنهما وقيل : الشاكلة من الشكل بفتح الشين بمعنى المثل وقيل : إنها من الشكل بكسر الشين بمعنى الهيأة.
وكيف كان فالآية الكريمة ترتب عمل الإنسان على شاكلته بمعنى أن العمل يناسبها