الفريقين في الشفاء والرحمة كان ذلك أوفى لغرض الرسالة وأنفع لحال الدعوة فأمر رسوله صلىاللهعليهوآله أن يجيبهم في ذلك.
فقال : ( قُلْ : كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ ) أي إن أعمالكم تصدر على طبق ما عندكم من الشاكلة والفعلية الموجودة فمن كانت عنده شاكلة عادلة سهل اهتداؤه إلى كلمة الحق والعمل الصالح وانتفع بالدعوة الحقة ، ومن كانت عنده شاكلة ظالمة صعب عليه التلبس بالقول الحق والعمل الصالح ولم يزد من استماع الدعوة الحقة إلا خسارا ، والله الذي هو ربكم العليم بسرائركم المدبر لأمركم أعلم بمن عنده شاكلة عادلة وهو أهدى سبيلا وأقرب إلى الانتفاع بكلمة الحق ، والذي علمه وأخبر به أن المؤمنين أهدى سبيلا فيختص بهم الشفاء والرحمة بالقرآن الذي ينزله ، ولا يبقى للكافرين أهل الظلم إلا مزيد الخسار إلا أن ينتزعوا عن ظلمهم فينتفعوا به.
ومن هنا يظهر النكتة في التعبير بصيغة التفضيل في قوله : « أَهْدى سَبِيلاً » وذلك لما تقدم أن الشاكلة غير ملزمة في الدعوة إلى ما يلائمها فالشاكلة الظالمة وإن كانت مضلة داعية إلى العمل الطالح غير أنها لا تحتم الضلال ففيها أثر من الهدى وإن كان ضعيفا ، والشاكلة العادلة أهدى منها فافهم.
وذكر الإمام الرازي في تفسيره ، ما ملخصه : أن الآية تدل على كون النفوس الناطقة الإنسانية مختلفة بالماهية وذلك أنه تعالى بين في الآية المتقدمة أن القرآن بالنسبة إلى بعض النفوس يفيد الشفاء والرحمة وبالنسبة إلى بعض آخر يفيد الخسار والخزي ثم أتبعه بقوله : « قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ » ومعناه أن اللائق بتلك النفوس الطاهرة أن يظهر فيها من القرآن آثار الذكاء والكمال ، وبتلك النفوس الكدرة أن يظهر فيها منه آثار الخزي والضلال كما أن الشمس تعقد الملح وتلين الدهن وتبيض ثوب القصار ويسود وجهه.
وهذا إنما يتم إذا كانت الأرواح والنفوس مختلفة بماهياتها فبعضها مشرقة صافية يظهر فيها من القرآن نور على نور ، وبعضها كدرة ظلمانية يظهر فيها منه ضلال على ضلال ونكال على نكال. انتهى.
وفيه أنه لو أقام الحجة على اختلاف ماهيات النفوس بعد رسوخ ملكاتها وتصورها