وقد نقل سبحانه نظير هذه الشبهة عن فرعون وعقبه بحديث غرقه وهلاكه ، قال : « وَنادى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قالَ يا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ؟ أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكادُ يُبِينُ ، فَلَوْ لا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ ـ إلى أن قال ـ فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلْآخِرِينَ » الزخرف : ٥٦.
قوله تعالى : « قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا » إلى آخر الآية ، لفظة كان في قوله : « مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ » تدل على استمرارهم في الضلالة لا مجرد تحقق ضلالة ما ، وبذلك يتم التهديد بمجازاتهم بالإمداد والاستدراج الذي هو إضلال بعد الضلال.
وقوله : « فَلْيَمْدُدْ » صيغة أمر غائب ويئول معناه إلى أن من الواجب على الرحمن أن يمده مدا ، فإن أمر المتكلم مخاطبه أن يأمره بشيء معناه إيجاب المتكلم ذلك على نفسه.
والمد والأمداد واحد لكن ذكر الراغب في المفردات ، أن أكثر ما جاء الأمداد في المحبوب والمد في المكروه والمراد أن من استقرت عليه الضلالة واستمر هو عليها ـ والمراد به الكفار كناية ـ فقد أوجب الله على نفسه أن يمده بما منه ضلالته كالزخارف الدنيوية في مورد الكلام فينصرف بذلك عن الحق حتى يأتيه أمر الله من عذاب أو ساعة بالمفاجاة والمباهتة فيظهر له الحق عند ذلك ولن ينتفع به.
فقوله : « حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ » إلخ ، دليل على أن هذا المد خذلان في صورة إكرام والمراد به أن ينصرف عن الحق واتباعه بالاشتغال بزهرة الحياة الدنيا الغارة فلا يظهر له الحق إلا في وقت لا ينتفع به وهو وقت نزول البأس أو قيام الساعة.
كما قال تعالى : « فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ » المؤمن : ٨٥ ، وقال : « يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً » الأنعام : ١٥٨.
وفي إرجاع ضمير الجمع في قوله : « رَأَوْا ما يُوعَدُونَ » إلى « مَنْ » رعاية جانب