والمراد بكفر الآلهة يوم القيامة بعبادتهم وكونهم عليهم ضدا هو ظهور حقيقة الأمر يومئذ فإن شأن يوم القيامة ظهور الحقائق فيه لأهل الجمع لا حدوثها ولو لم تكن الآلهة كافرين بعبادتهم في الدنيا ولا عليهم ضدا بل بدا لهم ذلك يوم القيامة لم تتم حجة الآية فافهم ذلك ، وعلى هذا المعنى يترتب قوله : « أَلَمْ تَرَ » على قوله : « كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ » إلخ.
قوله تعالى : « أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا » الأز والهز بمعنى واحد وهو التحريك بشدة وإزعاج والمراد تهييج الشياطين إياهم إلى الشر والفساد وتحريضهم على اتباع الباطل وإضلالهم بالتزلزل عن الثبات والاستقامة على الحق.
ولا ضير في نسبة إرسال الشياطين إليه تعالى بعد ما كان على طريق المجازاة فإنهم كفروا بالحق فجازاهم الله بزيادة الكفر والضلال ويشهد بذلك قوله : « عَلَى الْكافِرِينَ » ولو كان إضلالا ابتدائيا لقيل : « عليهم » من غير أن يوضع الظاهر موضع المضمر.
والآية وهي مصدرة بقوله : « أَلَمْ تَرَ » المفيد معنى الاستشهاد مسوقة لتأييد ما ذكر في الآية السابقة من كون آلهتهم عليهم ضدا ، فإن تهييج الشياطين إياهم للشر والفساد واتباع الباطل معاداة وضدية والشياطين وهم من الجن من جملة آلهتهم ولو لم يكن هؤلاء الآلهة عليهم ضدا ما دعوهم إلى ما فيه هلاكهم وشقاؤهم.
فالآية بمنزلة أن يقال : هؤلاء الآلهة الذين يحسبونهم لأنفسهم عزا هم عليهم ضد وتصديق ذلك أن الشياطين وهم من آلهتهم يحركونهم بإزعاج نحو ما فيه شقاؤهم وليسوا مع ذلك مطلقي العنان بل إنما هو بإذن من الله يسمى إرسالا وعلى هذا فالآية متصلة بسابقتها وهو ظاهر.
وجعل صاحب روح المعاني ، هذه الآية مترتبة على مجموع الآيات من قوله : « وَيَقُولُ الْإِنْسانُ أَإِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا » إلى قوله : « وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا » ومتصلة به وأطنب في بيان كيفية الاتصال بما لا يجدي نفعا وأفسد بذلك سياق الآيات واتصال ما بعد هذه الآية بما قبلها.
قوله تعالى : « فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّما نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا » العد هو الإحصاء والعد يفني