المعدود وينفده وبهذه العناية قصد به إنفاد أعمارهم والانتهاء إلى آخر أنفاسهم كأن أنفاسهم الممدة لأعمارهم مذخورة بعددها عند الله فينفدها بإرسالها واحدا بعد آخر حتى تنتهي وهو اليوم الموعود عليهم.
وإذ كان مدة بقاء الإنسان هي مدة بلائه وامتحانه كما ينبئ عنه قوله : « إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً » الكهف : ٧ كان العد بالحقيقة عدا للأعمال المثبتة في صحيفة العمر ، ليتم بذلك بنية الحياة الأخروية الخالدة ويستقصي للإنسان ما يلتئم به عيشه هناك من نعم أو نقم فكما أن مكث الجنين في الرحم مدة يتم به خلقه جسمه كذلك مكث الإنسان في الدنيا لأن يتم به خلقة نفسه وإن يعد الله ما قدر له من العطية ويستقصيه.
وعلى هذا فلا ينبغي للإنسان أن يستعجل الموت لكافر طالح لأن مدة بقائه مدة عد سيئاته ليحاسب عليها ويعذب بها ولا لمؤمن صالح لأن مدة بقائه مدة عد حسناته ليثاب بها ويتنعم والآية لا تقيد العد وإن فهم من ظاهرها في بادئ النظر عد الأنفاس أو الأيام.
وكيف كان فقوله : « فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ » تفريع على ما تقدم ، وقوله : « إِنَّما نَعُدُّ » تعليل له وهو في الحقيقة علة التأخير ومحصل المعنى إذ كان هؤلاء لا ينتفعون باتخاذ الآلهة وكانوا هم وآلهتهم منتهين إلينا غير خارجين من سلطاننا ولا مسيرهم في طريقهم بغير إذننا فلا تعجل عليهم بالقبض أو بالقضاء ولا يضيق صدرك عن تأخير ذلك إنما نعد لهم أنفاسهم أو أعمالهم عدا.
قوله تعالى : « يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً » الوفد هم القوم الواردون لزيارة أو استنجاز حاجة أو نحو ذلك ولا يسمون وفدا إلا إذا كانوا ركبانا وهو جمع واحده وافد.
وربما استفيد من مقابلة قوله في هذه الآية « إِلَى الرَّحْمنِ » قوله في الآية التالية : « إِلى جَهَنَّمَ » أن المراد بحشرهم إلى الرحمن حشرهم إلى الجنة وإنما سمي حشرا إلى الرحمن لأن الجنة مقام قربه تعالى فالحشر إليها حشر إليه. ومعنى الآية ظاهر.
قوله تعالى : « وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً » فسر الورد بالعطاش وكأنه