ويذكر أن الغاية من هذا التيسير أن يبشر به المتقين من عباده وينذر به قوما لدا خصماء ، ثم لخص إنذارهم بتذكير هلاك من هلك من القرون السابقة عليهم.
قوله تعالى : « فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا » التيسير وهو التسهيل ينبئ عن حال سابقة ما كان يسهل معها تلاوته ولا فهمه وقد أنبأ سبحانه عن مثل هذه الحالة لكتابه في قوله : « وَالْكِتابِ الْمُبِينِ إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ » الزخرف : ٤ ، فأخبر أنه لو أبقاه على ما كان عليه عنده ـ وهو الآن كذلك ـ من غير أن يجعله عربيا مقروا لم يرج أن يعقله الناس وكان كما كان عليا حكيما أي آبيا متعصيا أن يرقى إليه أفهامهم وينفذ فيه عقولهم.
ومن هنا يتأيد أن معنى تيسيره بلسانه تنزيله على اللسان العربي الذي كان هو لسانه صلىاللهعليهوآله فتنبئ الآية أنه تعالى يسره بلسانه ليتيسر له التبشير والإنذار.
وربما قيل : إن معنى تيسيره بلسانه إجراؤه على لسانه بالوحي واختصاصه بوحي الكلام الإلهي ليبشر به وينذر. وهذا وإن كان في نفسه وجها عميقا لكن الوجه الأول مضافا إلى تأيده بالآيات السابقة وأمثالها أنسب وأوفق بسياق آيات السورة.
وقوله : « وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا » المراد قومه ، صلىاللهعليهوآله واللد جمع ألد من اللدد وهو الخصومة.
قوله تعالى : « وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً » الإحساس هو الإدراك بالحس ، والركز هو الصوت ، قيل : والأصل في معناه الحس ، ومحصل المعنى أنهم وإن كانوا خصماء مجادلين لكنهم غير معجزي الله بخصامهم فكم أهلكنا قبلهم من قرن فبادوا فلا يحس منهم أحد ولا يسمع لهم صوت.