المرضي عند الناس.
ويقرب منه في الفساد احتمال أن يكون المراد بالوراثة وراثة التقوى والكرامة وأنه طلب من ربه أن يهب له ولدا يرث ما له من القرب والمنزلة عند الله إذ المناسب لذلك أن يطلب ولدا له ما لمريم من القرب والكرامة أو مطلق القرب والكرامة لا أن يطلب ولدا ينتقل إليه ما لنفسه من القرب والكرامة.
على أنه لا يلائمه قوله : « وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي » إذ ظاهر السياق أنه يطلب ولدا يرثه وينتقل إليه ما لولاه لانتقل ذلك إلى الموالي وهو يخاف منهم أن يتلبسوا بذلك بعد وفاته ، ولا معنى لأن يخاف عليهالسلام تلبس مواليه بالقرب والمنزلة واتصافهم بالتقوى والكرامة لا قبل وفاته ولا بعدها فساحة الأنبياء أنزه وأطهر من هذه الضنة ولا أمنية لهم إلا صلاح الناس وسعادتهم.
وقول بعضهم إن مواليه عليهالسلام كانوا شرار بني إسرائيل فخاف أن لا يحسنوا خلافته في أمته بعده ، فيه أن هذه الخلافة إن كانت خلافة باطنية إلهية فهي مما لا يورث بالنسب قطعا ، على أنها لا تخطئ المورد الصالح لها ولا يتلبس بها إلا أهلها ولا وجه للخوف من ذلك ، وإن كانت خلافة ظاهرية دنيوية تورث بالنسب ونحوه فهي قنية اجتماعية ومن أمتعة الحياة الدنيا نظير المال فلا جدوى لصرف الوراثة في الآية عن وراثة المال إلى وراثة الخلافة والملك.
على أن يحيى عليهالسلام لم يتقلد من هذه الخلافة والملك شيئا حتى يكون هو ميراثه الذي منع موالي أبيه أن يرثوه منه ، ولم يكن لبني إسرائيل ملك في زمن زكريا ويحيى بل كانت الروم مستولية عليهم حاكمة فيهم.
فإن قلت : يؤيد حمل الوراثة في الآية على وراثة العلم ونحوه دون المال أنه ليس في الأنظار العالية والهمم العليا للنفوس القدسية التي انقطعت من تعلقات هذا العالم المنقطع الفاني واتصلت بالعالم الباقي ميل إلى المتاع الدنيوي قدر جناح بعوضة لا سيما زكريا عليهالسلام فإنه كان مشهورا بكمال الانقطاع والتجرد فيستحيل عادة أن يخاف من وراثة المال والمتاع الذي ليس له في نظره العالي أدنى قدر أو يظهر من أجله الكلف والحزن والخوف ويستدعي من ربه ذلك النحو من الاستدعاء وهو يدل على كمال المحبة