آية من آيات الأولين وهم لا يؤمنون برسالتهم ولا يعترفون بآياتهم. وفي قولهم : « فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ » ، مع ذلك وعد ضمني بالإيمان لو أتى بآية من الآيات المقترحة.
قوله تعالى : « ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ » رد وتكذيب لما يشتمل عليه قولهم : « فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ » من الوعد الضمني بالإيمان لو أتى بشيء مما اقترحوه من آيات الأولين.
ومحصل المعنى على ما يعطيه السياق أنهم كاذبون في وعدهم ولو أنزلنا شيئا مما اقترحوه من آيات الأولين لم يؤمنوا بها وكان فيها هلاكهم فإن الأولين من أهل القرى اقترحوها فأنزلناها فلم يؤمنوا بها فأهلكناهم ، وطباع هؤلاء طباع أوليهم في الإسراف والاستكبار فليسوا بمؤمنين فالآية بوجه مثل قوله : « فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ » يونس : ٧٤.
وعلى هذا ففي الآية حذف وإيجاز والتقدير نحو من قولنا : ما آمنت قبلهم أهل قرية اقترحوا الآيات فأنزلناها عليهم وأهلكناهم لما لم يؤمنوا بها بعد النزول أفهم يعني مشركي العرب يؤمنون وهم مثلهم في الإسراف فتوصيف القرية بقوله : « أَهْلَكْناها » توصيف بآخر ما اتصفت بها للدلالة على أن عاقبة إجابة ما اقترحوه هي الهلاك لا غير.
قوله تعالى : « وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلَّا رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ » جواب عما احتجوا به على نفي نبوته صلىاللهعليهوآله بقولهم : « هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ » ، بأن الماضين من الأنبياء لم يكونوا إلا رجالا من البشر فالبشرية لا تنافي النبوة.
وتوصيف « رِجالاً » بقوله : « نُوحِي إِلَيْهِمْ » للإشارة إلى الفرق بين الأنبياء وغيرهم ومحصله أن الفرق الوحيد بين النبي وغيره هو أنا نوحي إلى الأنبياء دون غيرهم والوحي موهبة ومن خاص لا يجب أن يعم كل بشر فيكون إذا تحقق تحقق في الجميع وإذا لم يوجد في واحد لم يوجد في الجميع حتى تحكموا بعدم وجدانه عندكم على عدم وجوده عند النبي صلىاللهعليهوآله وذلك كسائر الصفات الخاصة التي لا توجد إلا في الواحد بعد الواحد من البشر مما لا سبيل إلى إنكارها.
فالآية تنحل إلى حجتين تقومان على إبطال استدلالهم ببشريته على نفي نبوته :