إحداهما نقض حجتهم بالإشارة إلى رجال من البشر كانوا أنبياء فلا منافاة بين البشرية والنبوة.
والثانية : من طريق الحل وهو أن الفارق بين النبي وغيره ليس وصفا لا يوجد في البشر أو إذا وجد وجد في الجميع بل هو الوحي الإلهي وهو كرامة ومن خاص من الله يختص به من يشاء فالآية بهذا النظر نظيرة قوله : « قالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا ـ إلى أن قال ـ : قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ » إبراهيم : ١١.
وقوله : « فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ » تأييد وتحكيم لقوله : « وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلَّا رِجالاً » أي إن كنتم تعلمون به فهو وإن لم تعلموا فارجعوا إلى أهل الذكر واسألوهم هل كانت الأنبياء الأولون إلا رجالا من البشر؟.
والمراد بالذكر الكتاب السماوي وبأهل الذكر أهل الكتاب فإنهم كانوا يشايعون المشركين في عداوة النبي صلىاللهعليهوآله وكان المشركون يعظمونهم وربما شاوروهم في أمره وسألوهم عن مسائل يمتحنونه بها وهم القائلون للمشركين على المسلمين : « هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً » النساء : ٥١ ، والخطاب في قوله « فَسْئَلُوا » إلخ للنبي صلىاللهعليهوآله وكل من يقرع سمعه هذا الخطاب عالما كان أو جاهلا وذلك لتأييد القول وهو شائع في الكلام.
قوله تعالى : « وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَما كانُوا خالِدِينَ ـ إلى قوله ـ الْمُسْرِفِينَ » أي هم رجال من البشر وما سلبنا عنهم خواص البشرية بأن نجعلهم جسدا خاليا من روح الحياة لا يأكل ولا يشرب ولا عصمناهم من الموت فيكونوا خالدين بل هم بشر ممن خلق يأكلون الطعام وهو خاصة ضرورية ويموتون وهو مثل الأكل.
قوله تعالى : « ثُمَّ صَدَقْناهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْناهُمْ وَمَنْ نَشاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ » عطف على قوله المتقدم : « وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلَّا رِجالاً » وفيه بيان عاقبة إرسالهم وما انتهى إليه أمر المسرفين من أممهم المقترحين عليهم الآيات ، وفيه أيضا توضيح ما أشير إليه من هلاكهم في قوله : « مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها » وتهديد للمشركين.
والمراد بالوعد في قوله : « ثُمَّ صَدَقْناهُمُ الْوَعْدَ » ما وعدهم من النصرة لدينهم وإعلاء كلمتهم كلمة الحق كما في قوله : « وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ