فيجازوا على حسب أعمالهم فهم عباد مسئولون إن تعدوا عن طور العبودية أوخذوا بما تقتضيه الحكمة الإلهية وإن الله لبالمرصاد.
وإذ كان هذا البيان بعينه حجة على المعاد انتقل الكلام إليه وأقيمت الحجة عليه فيثبت بها المعاد وفي ضوئه النبوة لأن النبوة من لوازم وجوب العبودية وهو من لوازم ثبوت المعاد فالآيتان الأوليان كالرابط بين السياق المتقدم والمتأخر.
والآيات تشتمل على بيان بديع لإثبات المعاد وقد تعرض فيها لنفي جميع الاحتمالات المنافية للمعاد كما ستعرف.
قوله تعالى : « وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ » الآيتان توجهان نزول العذاب على القرى الظالمة التي ذكر الله سبحانه قصمها ، وهما بعينهما ـ على ما يعطيه السياق السابق ـ حجة برهانية على ثبوت المعاد ثم في ضوئه النبوة وهي الغرض الأصيل من سرد الكلام في السورة.
فمحصل ما تقدم ـ أن هناك معادا سيحاسب فيه أعمال الناس فمن الواجب أن يميزوا بين الخير والشر وصالح الأعمال وطالحها بهداية إلهية وهي الدعوة الحقة المعتمدة على النبوة ولو لا ذلك لكانت الخلقة عبثا وكان الله سبحانه لاعبا لاهيا بها تعالى عن ذلك.
فمقام الآيتين ـ كما ترى ـ مقام الاحتجاج على حقية المعاد لتثبت بها حقية دعوة النبوة لأن دعوة النبوة ـ على هذا ـ من مقتضيات المعاد من غير عكس.
وحجة الآيتين ـ كما ترى ـ تعتمد على معنى اللعب واللهو واللعب هو الفعل المنتظم الذي له غاية خيالية غير واقعية كملاعب الصبيان التي لا أثر لها إلا مفاهيم خيالية من تقدم وتأخر وربح وخسارة ونفع وضرر كلها بحسب الفرض والتوهم وإذ كان اللعب بما تنجذب النفس إليه يصرفها عن الأعمال الواقعية فهو من مصاديق اللهو هذا.
فلو كان خلق العالم المشهود لا لغاية يتوجه إليها ويقصد لأجلها وكان الله سبحانه لا يزال يوجد ويعدم ويحيي ويميت ويعمر ويخرب لا لغاية تترتب على هذه الأفعال ولا لغرض يعمل لأجله ما يعمل بل إنما يفعلها لأجل نفسها ويريد أن يراها واحدا بعد واحد فيشتغل بها دفعا لضجر أو ملل أو كسل أو فرارا من الوحدة أو انطلاقا من الخلوة كحالنا نحن إذا اشتغلنا بعمل نلعب به ونتلهى لندفع به نقصا طرأ علينا وعارضة سوء لا نستطيبها لأنفسنا من ملال أو كلال أو كسل أو فشل ونحو ذلك.