فاللعب بنظر آخر لهو ، ولذلك نراه سبحانه عبر في الآية الأولى باللعب « وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ » ثم بدله ـ في الآية الثانية التي هي في مقام التعليل لها ـ لهوا فوضع اللهو مكان اللعب لتتم الحجة.
وتلهيه تعالى بشيء من خلقه محال لأن اللهو لا يتم لهوا إلا برفع حاجة من حوائج اللاهي ودفع نقيصة من نقائصه نفسه فهو من الأسباب المؤثرة ، ولا معنى لتأثير خلقه تعالى فيه واحتياجه إلى ما هو محتاج من كل جهة إليه فلو فرض تلهيه تعالى بلهو لم يجز أن يكون أمرا خارجا من نفسه ، وخلقه فعله وفعله ، خارج من نفسه ، بل وجب أن يكون بأمر غير خارج من ذاته.
وبهذا يتم البرهان على أن الله ما خلق السماء والأرض وما بينهما لعبا ولهوا وما أبدعها عبثا ولغير غاية وغرض ، وهو قوله : « لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا ».
وأما اللهو بأمر غير خارج من ذاته فهو وإن كان محالا في نفسه لاستلزامه حاجة في ذاته إلى ما يشغله ويصرفه عما يجده في نفسه فيكون ذاته مركبة من حاجة حقيقية متقررة فيها وأمر رافع لتلك الحاجة ، ولا سبيل للنقص والحاجة إلى ذاته المتعالية لكن البرهان لا يتوقف عليه لأنه في مقام بيان أن لا لعب ولا لهو في فعله تعالى وهو خلقه ، وأما أنه لا لعب ولا لهو في ذاته تعالى فهو خارج عن غرض المقام وإنما أشير إلى نفي هذا الاحتمال بالتعبير بلفظة « لو » الدالة على الامتناع ثم أكده بقوله : « إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ » فافهم ذلك.
وبهذا البيان يظهر أن قوله : « لَوْ أَرَدْنا » إلخ ، في مقام التعليل للنفي في قوله : « وَما خَلَقْنَا » إلخ ، وأن قوله : « مِنْ لَدُنَّا » معناه من نفسنا ، وفي مرحلة الذات دون مرحلة الخلق الذي هو فعلنا الخارج من ذاتنا ، وأن قوله : « إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ » إشارة استقلالية إلى ما يدل عليه لفظة « لَوْ » في ضمن الجملة فيكون نوعا من التأكيد.
وبهذا البيان يتم البرهان على المعاد ثم النبوة ويتصل الكلام بالسياق المتقدم ومحصله أن للناس رجوعا إلى الله وحسابا على أعمالهم ليجازوا عليها ثوابا وعقابا فمن الواجب أن يكون هناك نبوة ودعوة ليدلوا بها إلى ما يجازون عليه من الاعتقاد والعمل فالمعاد هو الغرض من الخلقة الموجب للنبوة ولو لم يكن معاد لم يكن للخلقة غرض وغاية فكانت الخلقة لعبا ولهوا منه تعالى وهو غير جائز ، ولو جاز عليه اتخاذ اللهو لوجب