رَبِّكَ » آل عمران : ٦٠ ، وقال : « وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً » ص : ٢٧ ، وأما الباطل من حيث إنه باطل فليس ينتسب إليه بالاستقامة وإنما هو لازم نقص بعض الأشياء إذا قيس الناقص منها إلى الكامل ، فالعقائد الباطلة لوازم نقص الإدراك وسائر الأمور الباطلة لوازم الأمور إذا قيس إلى ما هو أكمل منها ، وهي تنتسب إليه تعالى بالإذن بمعنى أن خلقه تعالى الأرض السبخة الصيقلية بحيث يتراءى للناظر في لون الماء وصفائه إذن منه تعالى في أن يتخيل عنده ماء وهو تحقق السراب تحققا تخيليا باطلا.
ومن هنا يظهر أن لا شيء في الوجود إلا وفيه شوب بطلان إلا الله سبحانه فهو الحق الذي لا يخالطه بطلان ولا سبيل له إليه قال : « أَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ » النور : ٢٥.
ويظهر أيضا أن الخلقة على ما فيها من النظام بامتزاج من الحق والباطل ، قال تعالى يمثل أمر الخلقة : « أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ » الرعد : ١٧ ، وتحت هذا معارف جمة.
وقد جرت سنة الله تعالى أن يمهل الباطل حتى إذا اعترض الحق ليبطله ويحل محله قذفه بالحق فإذا هو زاهق فالاعتقاد الحق لا يقطع دابره وإن قلت حملته أحيانا أو ضعفوا ، والكمال الحق لا يهلك من أصله وإن تكاثرت أضداده ، والنصر الإلهي لا يتخطى رسله وإن كانوا ربما بلغ بهم الأمر إلى أن استيئسوا وظنوا أنهم قد كذبوا.
وهذا معنى قوله تعالى : « بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ » فإنه إضراب عن عدم خلق العالم لعبا أو عن عدم إرادة اتخاذ اللهو المدلول عليه بقوله : « لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً » إلخ ، وفي قوله : « نَقْذِفُ » المفيد للاستمرار دلالة على كونه سنة جارية ، وفي قوله : « نَقْذِفُ ... فَيَدْمَغُهُ » دلالة على علو الحق على الباطل ، وفي قوله : « فَإِذا هُوَ زاهِقٌ » دلالة على مفاجاة القذف ومباغتته في حين لا يرجى للحق غلب ولا للباطل انهزام ، والآية مطلقة غير مقيدة بالحق والباطل في الحجة أو في السيرة والسنة أو في الخلقة فلا دليل على تقييدها بشيء من ذلك.
والمعنى : ما خلقنا العالم لعبا أو لم نرد اتخاذ اللهو بل سنتنا أن نرمي بالحق على الباطل رميا بعيدا فيهلكه فيفاجئه الذهاب والتلف ، فإن كان الباطل حجة أو عقيدة