ومنها ما عن بعضهم أن المراد بقوله : « مِنْ لَدُنَّا » من جهتنا ، ومعنى الآية : لو أردنا اتخاذ لهو لكان اتخاذ لهو من جهتنا أي لهوا إلهيا أي حكمة اتخذتموها لهوا من جهتكم وهذا عين الجد والحكمة فهو في معنى لو أردناه لامتنع ومحصله أن جهته تعالى لا تقبل إلا الجد والحكمة فلو أراد لهوا صار جدا وحكمة أي يستحيل إرادة اللهو منه تعالى.
وفيه أنه وإن كان معنى صحيحا في نفسه غير خال من الدقة لكنه غير مفهوم من لفظ الآية كما هو ظاهر.
وقوله : « إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ » الظاهر أن « أَنْ » شرطية كما تقدمت الإشارة إليه ، وعلى هذا فجزاؤه محذوف يدل عليه قوله : « لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا » وقال بعضهم : إن « أَنْ » نافية والجملة نتيجة البيان السابق ، وعن بعضهم أن إن النافية لا تفارق غالبا اللام الفارقة ، وقد ظهر مما تقدم من معنى الآية أن كون إن شرطية أبلغ بحسب المقام من كونها نافية.
قوله تعالى : « بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ » القذف الرمي البعيد ، والدمغ ـ على ما في مجمع البيان ، ـ شج الرأس حتى يبلغ الدماغ ، يقال : دمغه يدمغه إذا أصاب دماغه ، وزهوق النفس تلفها وهلاكها ، يقال : زهق الشيء يزهق أي هلك.
والحق والباطل مفهومان متقابلان ، فالحق هو الثابت العين ، والباطل ما ليس له عين ثابتة لكنه يتشبه بالحق تشبها فيظن أنه هو حتى إذا تعارضا بقي الحق وزهق الباطل كالماء الذي هو حقيقة من الحقائق ، والسراب الذي ليس بالماء حقيقة لكنه يتشبه به في نظر الناظر فيحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا.
وقد عد سبحانه في كلامه أمثلة كثيرة من الحق والباطل فعد الاعتقادات المطابقة للواقع من الحق وما ليس كذلك من الباطل وعد الحياة الآخرة حقا والحياة الدنيا بجميع ما يراه الإنسان لنفسه فيها ويسعى له سعيه من ملك ومال وجاه وأولاد وأعوان ونحو ذلك باطلا وعد ذاته المتعالية حقا وسائر الأسباب التي يغتر بها الإنسان ويركن إليها من دون الله باطلا ، والآيات في ذلك كثيرة لا مجال لنقلها في المقام.
والذي يستند إليه تعالى بالأصالة هو الحق دون الباطل كما قال : « الْحَقُّ مِنْ