المخصوص حجة فيبقى معمولا به على ظاهره فيما عدا ما أخرج منه ، وذلك يبطل قول الفلاسفة في الأرواح البشرية والعقول المفارقة والنفوس الفلكية أنها لا تموت. انتهى.
وفيه أولا : أن النفس بالمعنى الذي تطلق عليه تعالى وعلى كل شيء هي النفس بالاستعمال الأول من الاستعمالات الثلاث التي قدمناها لا تستعمل إلا مضافة كما في الآية التي استشهد بها والتي في الآية مقطوعة عن الإضافة فهي غير مرادة بهذا المعنى في الآية قطعا فتبقى النفس بأحد المعنيين الآخرين وقد عرفت أن المعنى الثالث أيضا غير مراد فيبقى الثاني.
وثانيا : أن نفيه الموت عن الجمادات ينافي قوله تعالى : « كُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ » وقوله : « أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ » وغير ذلك.
وثالثا : أن قوله : إن عموم الآية يبطل قول الفلاسفة في الأرواح البشرية والعقول المفارقة والنفوس الفلكية خطأ فإن هذه مسائل عقلية يرام السلوك إليها من طريق البرهان ، والبرهان حجة مفيدة لليقين فإن كانت الحجج التي أقاموها عليها كلها أو بعضها براهين كما أدعوها لم ينعقد من الآية في مقابلها ظهور والظهور حجة ظنية وكيف يتصور اجتماع العلم مع الظن بالخلاف ، وإن لم تكن براهين لم تثبت المسائل ولا حاجة معه إلى ظن بالخلاف.
ثم إن قوله : « كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ » كما هو تقرير وتثبيت لمضمون قوله قبلا : « وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ » إلخ ، كذلك توطئة وتمهيد لقوله بعد « وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً » ـ أي ونمتحنكم بما تكرهونه من مرض وفقر ونحوه وما تريدونه من صحة وغنى ونحوهما امتحانا ـ كأنه قيل : نحيي كلا منكم حياة محدودة مؤجلة ونمتحنكم فيها بالشر والخير امتحانا ثم إلى ربكم ترجعون فيقضي عليكم ولكم.
وفيه إشارة إلى علة تحتم الموت لكل نفس حية ، وهي أن حياة كل نفس حياة امتحانية ابتلائية ، ومن المعلوم أن الامتحان أمر مقدمي ومن الضروري أن المقدمة لا تكون خالدة لا تنتهي إلى أمد ومن الضروري أن وراء كل مقدمة ذا مقدمة وبعد كل امتحان موقف تتعين فيه نتيجته فلكل نفس حية موت محتوم ثم لها رجوع إلى الله سبحانه لفصل القضاء.
قوله تعالى : « وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ