آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ هُمْ كافِرُونَ » إن نافية والمراد بقوله : « إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً » قصر معاملتهم معه على اتخاذهم إياه هزوا أي لم يتخذوك إلا هزوا يستهزأ به.
وقوله : « أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ » ـ والتقدير يقولون أو قائلين : أهذا الذي إلخ ـ حكاية كلمة استهزائهم ، والاستهزاء في الإشارة إليه بالوصف ، ومرادهم ذكره آلهتهم بسوء ولم يصرحوا به أدبا مع آلهتهم وهو نظير قوله : « قالُوا سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ » الآية : ـ ٦٠ من السورة.
وقوله : « وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ هُمْ كافِرُونَ » في موضع الحال من ضمير « إِنْ يَتَّخِذُونَكَ » أو من فاعل يقولون المقدر وهو أقرب ومحصله أنهم يأنفون لآلهتهم عليك إذ تقول فيها أنها لا تنفع ولا تضر ـ وهو كلمة حق ـ فلا يواجهونك إلا بالهزء والإهانة ولا يأنفون لله إذ يكفر بذكره والكافرون هم أنفسهم.
والمراد بذكر الرحمن ذكره تعالى بأنه مفيض كل رحمة ومنعم كل نعمة ولازمه كونه تعالى هو الرب الذي تجب عبادته ، وقيل : المراد بالذكر القرآن.
والمعنى : وإذا رآك الذين كفروا وهم المشركون ما يتخذونك ولا يعاملون معك إلا بالهزء والسخرية قائلين بعضهم لبعض أهذا الذي يذكر آلهتكم أي بسوء فيأنفون لآلهتهم حيث تذكرها والحال أنهم بذكر الرحمن كافرون ولا يعدونه جرما ولا يأنفون له.
قوله تعالى : « خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ » كان المشركون على كفرهم بالدعوة النبوية يستهزءون بالنبي صلىاللهعليهوآله كلما رأوه ، وهو زيادة في الكفر والعتو ، والاستهزاء بشيء إنما يكون بالبناء على كونه هزلا غير جد فيقابل الهزل بالهزل لكنه تعالى أخذ استهزاءهم هذا أخذ جد غير هزل فكان الاستهزاء بعد الكفر تعرضا للعذاب الإلهي بعد تعرض وهو الاستعجال بالعذاب فإنهم لا يقنعون بما جاءتهم من الآيات وهم في عافية ويطلبون آيات تجازيهم بما صنعوا ، ولذلك عد سبحانه استهزاءهم بعد الكفر استعجالا برؤية الآيات وهي الآيات الملازمة للعذاب وأخبرهم أنه سيريهم إياها.
فقوله : « خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ » كناية عن بلوغ الإنسان في العجل كأنه خلق من عجل ولا يعرف سواه نظير ما يقال : فلان خير كله أو شر كله وخلق من خير أو من شر وهو أبلغ من قولنا ، ما أعجله وما أشد استعجاله ، والكلام وارد مورد التعجيب.