ومن آل هارون القديس ، والفري هو العظيم البديع وقيل : هو من الافتراء بمعنى الكذب كناية عن القبيح المنكر والآية التالية تؤيد المعنى الأول ، ومعنى الآية واضح.
قوله تعالى : « يا أُخْتَ هارُونَ ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا » ذكر في المجمع ، أن في المراد من هارون أربعة أقوال : أحدها : أنه كان رجلا صالحا من بني إسرائيل ينسب إليه كل صالح وعلى هذا فالمراد بالأخوة الشباهة ومعنى « يا أُخْتَ هارُونَ » يا شبيهة هارون ، والثاني : أنه كان أخاها لأبيها لا من أمها ، والثالث : أن المراد به هارون أخو موسى الكليم وعلى هذا فالمراد بالأخوة الانتساب كما يقال : أخو تميم ، والرابع : أنه كان رجلا معروفا بالعهر والفساد انتهى ملخصا والبغي الزانية ، ومعنى الآية ظاهر.
قوله تعالى : « فَأَشارَتْ إِلَيْهِ قالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا » إشارتها إليه إرجاع لهم إليه حتى يجيبهم ويكشف لهم عن حقيقة الأمر ، وهو جرى منها على ما أمرها به حينما ولد بقوله : « فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا » على ما تقدم البحث عنه.
والمهد السرير الذي يهيأ للصبي فيوضع فيه وينوم عليه ، وقيل : المراد بالمهد في الآية حجر أمه ، وقيل المرباة أي المرجحة ، وقيل المكان الذي استقر عليه كل ذلك لأنها لم تكن هيئت له مهدا ، والحق أن الآية ظاهرة في ذلك ولا دليل على أنها لم تكن هيئت وقتئذ له مهدا فلعل الناس هجموا عليها وكلموها بعد ما رجعت إلى بيتها واستقرت فيه وهيئت له مهدا أو مرجحة وتسمى أيضا مهدا.
وقد استشكلت الآية بأن الإتيان بلفظة كان مخل بالمعنى فإن ما يقتضيه المقام هو أن يستغربوا تكليم من هو في المهد صبي لا تكليم من كان في المهد صبيا قبل ذلك فكل من يكلمه الناس من رجل أو امرأة كان في المهد صبيا قبل التكليم بحين ولا استغراب فيه.
وأجيب عنه أولا أن الزمان الماضي منه بعيد ومنه قريب يلي الحال وإنما يفسد المعنى لو كان مدلول كان في الآية هو الماضي البعيد ، وأما لو كان هو القريب المتصل بالحال وهو زمان التكليم فلا محذور فساد فيه. والوجه للزمخشري في الكشاف.