أقر الله عليك أي سرك ، والمعنى : فكلي من الرطب الجني الذي تسقط واشربي من السري الذي تحتك وكوني على مسرة من غير أن تحزني ، والتمتع بالأكل والشرب من أمارات السرور والابتهاج فإن المصاب في شغل من التمتع بلذيذ الطعام ومريء الشراب ومصيبته شاغلة ، والمعنى : فكلي من الرطب الجني واشربي من السري وكوني على مسرة ـ مما حباك الله به ـ من غير أن تحزني ، وأما ما تخافين من تهمة الناس ومساءلتهم فالزمي السكوت ولا تكلمي أحدا فأنا أكفيكهم.
قوله تعالى : « فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا » المراد بالصوم صوم الصمت كما يدل عليه التفريع الذي في قوله : « فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا » وكذا يستفاد من السياق أنه كان أمرا مسنونا في ذلك الوقت ولذا أرسل عذرا إرسال المسلم ، والإنسي منسوب إلى الإنس مقابل الجن والمراد به الفرد من الإنسان.
وقوله : « فَإِمَّا تَرَيِنَّ » إلخ ، ما زائدة والأصل إن ترى بشرا فقولي إلخ ، والمعنى : إن ترى بشرا وكلمك أو سألك عن شأن الولد فقولي إلخ ، والمراد بالقول التفهيم بالإشارة فربما يسمى التفهيم بالإشارة قولا ، وعن الفراء أن العرب تسمي كل ما وصل إلى الإنسان كلاما بأي طريق وصل ما لم يؤكد بالمصدر فإذا أكد لم يكن إلا حقيقة الكلام.
وليس ببعيد أن يستفاد من قوله : « فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً » بمعونة السياق أنه أمرها أن تنوي الصوم لوقتها وتنذره لله على نفسها فلا يكون إخبارا بما لا حقيقة له.
وقوله : « فَإِمَّا تَرَيِنَ » إلخ ، على أي حال متفرع على قوله : « وَقَرِّي عَيْناً » والمراد لا تكلمي بشرا ولا تجيبي أحدا سألك عن شأني بل ردي الأمر إلي فأنا أكفيك جواب سؤالهم وأدافع خصامهم.
قوله تعالى : « فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَها تَحْمِلُهُ قالُوا يا مَرْيَمُ أنى لك هذا لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا » الضميران في « بِهِ » و « تَحْمِلُهُ » لعيسى ، والاستفهام إنكاري حملهم عليه ما شاهدوه عن عجيب أمرها مع ما لها من سابقة الزهد والاحتجاب وكانت ابنة عمران