المنادي مع من يناديه ، ويؤيده أيضا احتفافه بالضمائر الراجعة إلى عيسى عليهالسلام.
وقيل : الضمير للروح وأصلح كون الروح تحتها بأنها كانت حين الوضع في أكمة وكان الروح واقفا تحت الأكمة فناداها من تحتها ، ولا دليل على شيء من ذلك من جهة اللفظ.
ولا يبعد أن يستفاد من ترتب قوله : « فَناداها » على قوله : « قالَتْ يا لَيْتَنِي » إلخ ، أنها إنما قالت هذه الكلمة حين الوضع أو بعده فعقبها عليهالسلام بقوله : لا تخزني ، إلخ.
وقوله : « أَلَّا تَحْزَنِي » تسلية لها لما أصابها من الحزن والغم الشديد فإنه لا مصيبة هي أمر وأشق على المرأة الزاهدة المتنسكة وخاصة إذا كانت عذراء بتولا من أن تتهم في عرضها وخاصة إذا كانت من بيت معروف بالعفة والنزاهة في حاضر حاله وسابق عهده وخاصة إذا كانت تهمة لا سبيل لها إلى الدفاع عن نفسها وكانت الحجة للخصم عليها ، ولذا أشار أن لا تتكلم مع أحد وتكفل هو الدفاع عنها وتلك حجة لا يدفعها دافع.
وقوله : « قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا » السري جدول الماء ، والسري هو الشريف الرفيع ، والمعنى الأول هو الأنسب للسياق ، ومن القرينة عليه قوله : بعد : « فَكُلِي وَاشْرَبِي » كما لا يخفى.
وقيل : المراد هو المعنى الثاني ومصداقه عيسى عليهالسلام ، وقد عرفت أن السياق لا يساعد عليه ، وعلى أي تقدير الجملة إلى آخر كلامه تطييب لنفس مريم عليهالسلام.
وقوله : « وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا » الهز هو التحريك الشديد ، ونقل عن الفراء أن العرب تقول : هزه وهز به ، والمساقطة هي الإسقاط ، وضمير « تُساقِطْ » للنخلة ، ونسبة الهز إلى الجذع والمساقطة إلى النخلة لا تخلو من إشعار بأن النخلة كانت يابسة وإنما اخضرت وأورقت وأثمرت رطبا جنيا لساعتها ، والرطب هو نضيج البسر ، والجني هو المجني وذكر في القاموس ـ على ما نقل ـ أن الجني إنما يقال لما جني من ساعته.
قوله تعالى : « فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً » قرار العين كناية عن المسرة يقال :