ولذا قالت : « وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا » فنفت النكاح والزنا في الماضي.
قوله تعالى : « قالَ كَذلِكِ قالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ » إلخ ، أي قال الروح الأمر كذلك أي كما وصفته لك ثم قال : « قالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ » ، وقد تقدم في قصة زكريا ويحيى عليهالسلام توضيح ما للجملتين.
وقوله : « وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا » ذكر بعض ما هو الغرض من خلق المسيح على هذا النهج الخارق ، وهو معطوف على مقدر أي خلقناه بنفخ الروح من غير أب لكذا وكذا ولنجعله آية للناس بخلقته ورحمة منا برسالته والآيات الجارية على يده وحذف بعض الغرض وعطف بعضه المذكور عليه كثير في القرآن كقوله تعالى : « وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ » الأنعام : ٧٥ ، وفي هذه الصنعة إيهام أن الأغراض الإلهية أعظم من أن يحيط بها فهم أو يفي بتمامها لفظ.
وقوله : « وَكانَ أَمْراً مَقْضِيًّا » إشارة إلى تحتم القضاء في أمر هذا الغلام الزكي فلا يرد بإباء أو دعاء.
قوله تعالى : « فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكاناً قَصِيًّا » القصي البعيد أي حملت بالولد فانفرد واعتزلت به مكانا بعيدا من أهله.
قوله تعالى : « فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ » إلى آخر الآية ، الإجاءة إفعال من جاء يقال : أجاءه وجاء به بمعنى وهو في الآية كناية عن الدفع والإلجاء ، والمخاض والطلق وجع الولادة ، وجذع النخلة ساقها ، والنسي بفتح النون وكسرها كالوتر والوتر هو الشيء الحقير الذي من شأنه أن ينسى ، والمعنى ـ أنها لما اعتزلت من قومها في مكان بعيد منهم ـ دفعها وألجأها الطلق إلى جذع نخلة كان هناك لوضع حملها ـ والتعبير بجذع النخلة دون النخلة مشعر بكونها يابسة غير مخضرة ـ وقالت استحياء من الناس يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا وشيئا لا يعبأ به منسيا لا يذكر فلم يقع فيه الناس كما سيقع الناس في.
قوله تعالى : « فَناداها مِنْ تَحْتِها أَلَّا تَحْزَنِي » إلى آخر الآيتين ظاهر السياق أن ضمير الفاعل في « فَناداها » لعيسى عليهالسلام لا للروح السابق الذكر ، ويؤيده تقييده بقوله : « مِنْ تَحْتِها » فإن هذا القيد أنسب لحال المولود مع والدته حين الوضع منه لحال الملك