وقد نبه إبراهيم أباه فيما ألقى إليه من الخطاب أولا أن طريقه الذي يسلكه بعبادة الأصنام لغو باطل ، وثانيا أن له من العلم ما ليس عنده فليتبعه ليهديه إلى طريق الحق لأنه على خطر من ولاية الشيطان.
فقوله : « يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ » إلخ ، إنكار توبيخي لعبادته الأصنام وقد عدل من ذكر الأصنام إلى ذكر أوصافها « ما لا يَسْمَعُ » إلخ ، ليشير إلى الدليل في ضمن إلقاء المدلول ويعطي الحجة في طي المدعى وهو أن عبادة الأصنام لغو باطل من وجهين : أحدهما أن العبادة إظهار الخضوع وتمثيل التذلل من العابد للمعبود فلا يستقيم إلا مع علم المعبود بذلك ، والأصنام جمادات مصورة فاقدة للشعور لا تسمع ولا تبصر فعبادتها لغو لا أثر لها ، وهذا هو الذي أشار إليه بقوله : « لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ ».
وثانيهما : أن العبادة والدعاء ورفع الحاجة إلى شيء إنما ذلك ليجلب للعابد نفعا أو يدفع عنه ضررا فيتوقف ولا محالة على قدرة في المعبود على ذلك ، والأصنام لا قدرة لها على شيء فلا تغني عن عابدها شيئا بجلب نفع أو دفع ضرر فعبادتها لغو لا أثر لها ، وهذا هو الذي أشار إليه بقوله : « وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً ».
وقد تقدم في تفسير سورة الأنعام أن هذا الذي كان يخاطبه إبراهيم عليهالسلام بقوله : « يا أَبَتِ » لم يكن والده وإنما كان عمه أو جده لأمه أو زوج أمه بعد وفاة والده فراجع.
والمعروف من مذهب النحاة في لفظ « يا أبت » أن التاء عوض من ياء المتكلم ومثله « يا أمت » ويختص التعويض بالنداء فلا يقال مثلا قال أبت وقالت أمت.
قوله تعالى : « يا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ ما لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا » لما بين له بطلان عبادته للأصنام ولغويتها وكان لازم معناه أنه سألك طريق غير سوي عن جهل نبهه أن له علما بهذا الشأن ليس عنده وعليه أن يتبعه حتى يهديه إلى صراط ـ وهو الطريق الذي لا يضل سالكه لوضوحه ـ سوي هو في غفلة من أمره ، ولذا نكره إذ قال : « أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا » ولم يقل : أهدك الصراط السوي كأنه يقول : إذ كنت تسلك صراطا ولا محالة من سلوكه فلا تسلك هذا الصراط غير