شَقِيًّا (٤٨) فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلاًّ جَعَلْنا نَبِيًّا (٤٩) وَوَهَبْنا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنا وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا (٥٠) )
( بيان )
تشير الآيات إلى نبذة من قصة إبراهيم عليهالسلام وهي محاجته أباه في أمر الأصنام بما آتاه الله من الهدى الفطري والمعرفة اليقينية واعتزاله إياه وقومه وآلهتهم فوهب الله له إسحاق ويعقوب وخصه بكلمة باقية في عقبه وجعل له ولأعقابه ذكرا جميلا باقيا مدى الدهر.
قوله تعالى : « وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا » الظاهر أن الصديق اسم مبالغة من الصدق فهو الذي يبالغ في الصدق فيقول ما يفعل ويفعل ما يقول لا مناقضة بين قوله وفعله ، وكذلك كان إبراهيم عليهالسلام قال بالتوحيد في عالم وثني وهو وحده فحاج أباه وقومه وقاوم ملك بابل وكسر الآلهة وثبت على ما قال حتى ألقي في النار ثم اعتزلهم وما يعبدون كما وعد أباه أول يوم فوهب الله له إسحاق ويعقوب إلى آخر ما عده تعالى من مواهبه.
وقيل : إن الصديق اسم مبالغة للتصديق ، ومعناه : أنه كان كثير التصديق للحق يصدقه بقوله وفعله ، وهذا المعنى وإن وافق المعنى الأول بحسب المال لكن يبعده ندرة مجيء صيغة المبالغة من المزيد فيه.
والنبي على وزن فعيل مأخوذ من النبإ سمي به النبي لأنه عنده نبأ الغيب بوحي من الله ، وقيل : هو مأخوذ من النبوة بمعنى الرفعة سمي به لرفعة قدره.
قوله تعالى : « إِذْ قالَ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً » ظرف لإبراهيم حيث إن المراد بذكره وذكر نبئه وقصته كما تقدم نظيره في قوله : « وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ » وأما قول من قال بكونه ظرفا لقوله : « صِدِّيقاً » أو قوله : « نَبِيًّا » فهو تكلف يستبشعه الطبع السليم.