ففي هذه الآيات أعني قوله : « وَيَقُولُ الْإِنْسانُ ـ إلى قوله ـ وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا » وهي سبع آيات ذكر استبعادهم للبعث والجواب عنه وذكر الإشارة إلى ما لقولهم هذا من التبعة والوبال.
قوله تعالى : « وَيَقُولُ الْإِنْسانُ أَإِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا » إنكار للبعث في صورة الاستبعاد ، وهو قول الكفار من الوثنيين ومن يلحق بهم من منكري الصانع بل مما يميل إليه طبع الإنسان قبل الرجوع إلى الدليل ، قيل : ولذلك نسب القول إلى الإنسان حينما كان مقتضى طبع الكلام أن يقال : ويقول الكافر ، أو : ويقول الذين كفروا « إلخ » ، وفيه أنه لا يلائم قوله الآتي : « فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّياطِينَ ـ إلى قوله ـ صِلِيًّا ».
وليس ببعيد أن يكون المراد بالإنسان القائل ذلك هو الكافر المنكر للبعث وإنما عبر بالإنسان لكونه لا يترقب منه ذلك وقد جهزه الله تعالى بالإدراك العقلي وهو يذكر أن الله خلقه من قبل ولم يك شيئا ، فليس من البعيد أن يعيده ثانيا فاستبعاده مستبعد منه ، ولذا كرر لفظ الإنسان حيث أخذ في الجواب قائلا : « أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً » أي أنه إنسان لا ينبغي له أن يستبعد وقوع ما شاهد وقوع مثله وهو غير ناسية.
ولعل التعبير بالمضارع في قوله : « وَيَقُولُ الْإِنْسانُ » للإشارة إلى استمرار هذا الاستبعاد بين المنكرين للمعاد والمرتابين فيه.
قوله تعالى : « أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً » الاستفهام للتعجيب والاستبعاد ومعنى الآية ظاهر وقد أخذ فيها برفع الاستبعاد بذكر وقوع المثل ليثبت به الإمكان ، فالآية نظيرة قوله تعالى في موضع آخر : « وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ ـ إلى أن قال ـ أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ » يس : ٨١.
فإن قيل : الاحتجاج بوقوع المثل إنما ينتج إمكان المثل والمطلوب في إثبات المعاد هو رجوع الإنسان بشخصه وعينه لا بمثله فإن مثل الشيء غيره ، قيل : إن هذه الآيات بصدد إثبات رجوع الأجساد والمخلوق منها ثانيا مثل المخلوق أولا وشخصية