الشخص الإنساني بنفسه لا ببدنه فإذا خلق البدن ثانيا وتعلقت به النفس كان شخص الإنسان الدنيوي بعينه وإن كان البدن وهو جزء الإنسان بالقياس إلى البدن الدنيوي مثلا لا عينا وهذا كما أن شخصية الإنسان ووحدته محفوظة في الدنيا مدى عمره مع تغير البدن وتبدله بتغير أجزائه وتبدلها حالا بعد حال والبدن في الحال الثاني غيره في الحال الأول لكن الإنسان باق في الحالين على وحدته الشخصية لبقاء نفسه بشخصها.
وإلى هذا يشير قوله تعالى : « وَقالُوا أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ ـ إلى أن قال ـ قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ » الم السجدة : ١١ أي إنكم مأخوذون من أبدانكم محفوظون لا تضلون ولا تفتقدون.
قوله تعالى : « فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّياطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا » الجثي في أصله على فعول جمع جاثي وهو البارك على ركبتيه ، ونسب إلى ابن عباس أنه جمع جثوة وهو المجتمع من التراب والحجارة ، والمراد أنهم يحضرون زمرا وجماعات متراكما بعضهم على بعض ، وهذا المعنى أنسب للسياق.
وضمير الجمع في « لَنَحْشُرَنَّهُمْ » و « لَنُحْضِرَنَّهُمْ » للكفار ، والآية إلى تمام ثلاث آيات متعرضة لحالهم يوم القيامة وهو ظاهر وربما قيل : إن الضميرين للناس أعم من المؤمن والكافر كما أن ضمير الخطاب في قوله الآتي : « وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها » كذلك وفيه أن لحن الآيات الثلاث وهو لحن السخط والعذاب يأبى ذلك.
والمراد بقوله : « لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّياطِينَ » جمعهم خارج القبور مع أوليائهم من الشياطين لأنهم لعدم إيمانهم غاوون كما قال : « فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا » والشياطين أولياؤهم قال تعالى : « إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ » الحجر : ٤٢ ، وقال : « إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ » الأعراف : ٢٧ ، أو المراد حشرهم مع قرنائهم من الشياطين كما قال : « وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ... حَتَّى إِذا جاءَنا قالَ يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ ، وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ » الزخرف : ٣٩.
والمعنى : فأقسم بربك لنجمعنهم ـ يوم القيامة ـ وأولياءهم أو قرناءهم من الشياطين ثم لنحضرنهم حول جهنم لإذاقة العذاب وهم باركون على ركبهم من الذلة أو