وهم جماعات وزمرة زمرة.
وفي قوله : « فَوَ رَبِّكَ » التفات من التكلم مع الغير إلى الغيبة ولعل النكتة فيه ما تقدم في قوله : « بِأَمْرِ رَبِّكَ » ونظيره قوله الآتي : « كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً ».
قوله تعالى : « ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا » النزع هو الاستخراج ، والشيعة الجماعة المتعاونون على أمر أو التابعون لعقيدة والعتي على فعول مصدر بمعنى التمرد في العصيان والظاهر أن قوله : « أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا » جملة استفهامية وضع موضع مفعول لننزعن للدلالة على العناية بالتعيين والتمييز فهو نظير قوله : « أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ » الإسراء : ٥٧.
والمعنى : ثم لنستخرجن من كل جماعة متشكلة أشدهم تمردا على الرحمن وهم الرؤساء وأئمة الضلال ، وقيل المعنى لنستخرجن الأشد ثم الأشد حتى يحاط بهم.
وفي قوله : « عَلَى الرَّحْمنِ » التفات والنكتة تلويح أن تمردهم عظيم لكونه تمردا على من شملت رحمته كل شيء وهم لم يلقوا منه إلا الرحمة والتمرد على من هذا شأنه عظيم.
قوله تعالى : « ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلى بِها صِلِيًّا » الصلي في الأصل على فعول مصدر يقال صلي النار يصلاها صليا وصليا إذا قاسى حرها فالمعنى ثم أقسم لنحن أعلم بمن أولى بالنار مقاساة لحرها أي إن الأمر في دركات عذابهم ومراتب استحقاقهم لا يشتبه علينا.
قوله تعالى : « وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا » الخطاب للناس عامة مؤمنيهم وكافريهم بدليل قوله في الآية التالية : « ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا » والضمير في « وارِدُها » للنار ، وربما قيل : إن الخطاب للكفار المذكورين في الآيات الثلاث الماضية وفي الكلام التفات من الغيبة إلى الحضور وفيه أن سياق الآية التالية يأبى ذلك.
والورود خلاف الصدور وهو قصد الماء على ما يظهر من كتب اللغة قال الراغب في المفردات ، : الورود أصله قصد الماء ثم يستعمل في غيره يقال : وردت الماء أرده ، ورودا فأنا وارد والماء مورود ، وقد أوردت الإبل الماء قال تعالى : « وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ