وهذا بخلاف ملكه تعالى فإنه مطلق غير مقيد ولا محدود على ما يدل عليه إطلاق آيات الملك ، ويؤيده بل يدل عليه الآيات الدالة على قصر الحكم وانحصار التشريع فيه وعموم قضائه لكل شيء إذ لو لا سعة ملكه وعموم سلطنته لكل شيء لم يستقم حكمه في كل شيء ولا قضاؤه عند كل واقعة ، والاستدلال على محدودية ملكه تعالى بما وراء القبائح العقلية بأنا نرى أن المالك لعبد إذا عذب عبده بما لا يجوزه العقل ذم عليه واستقبح العقلاء عمله من قبيل الاستدلال على الشيء بحكم ما يباينه.
على أن هذا الملك الذي نثبته له تعالى وهو ملك تشريعي هو كونه تعالى بحيث ينتهي إليه وجود كل شيء وإن شئت فقل : كون كل شيء بحيث يقوم وجوده به تعالى وهذا هو الملك التكويني الذي لا يخلو شيء من الأشياء من أن يكون مشمولا له فمع ذلك كيف يمكن تحقق الملك التكويني في شيء من غير أن ينبعث منه ملك تشريعي وحق مجعول اللهم إلا أن يكون من العناوين العدمية التي لا يتعلق بها الإيجاد كعناوين المعاصي التي في أفعال العباد وهي ترجع إلى مخالفة الأمر وترك رعاية المصلحة والحكمة ولا يتحقق شيء من ذلك فيما يعد فعلا له تعالى فأجد التأمل فيه.
ويتفرع على هذا البحث أنه لا معنى لأن يوجب غيره تعالى عليه شيئا أو يحرم أو يجوز وبالجملة يكلفه بتكليف تشريعي كما يمتنع أن يؤثر فيه تأثيرا تكوينيا لاستلزامه كونه تعالى مملوكا له واقعا تحت سلطنته من حيث فعله الذي تعلق به التكليف ومآله إلى مملوكية ذاته وهو محال.
وما هو الذي يتحكم عليه تعالى؟ ومن الذي يقهره بالتكليف؟ فإن فرض أنه العقل الحاكم لذاته القاضي لنفسه عاد الكلام إلى مالكية العقل لهذا الحكم والقضاء ، فالعقل يستند في أحكامه إلى أمور خارجة من ذاته ومن مصالح ومفاسد فليس حاكما لذاته بل لغيره هف.
وإن فرض أنه المصلحة المتقررة عند العقل فمصلحة كذا مثلا يقتضي فيه تعالى أن يعدل في حكمه وأن لا يظلم عباده ثم العقل بعد النظر فيه يحكم عليه تعالى بوجوب العدل وعدم جواز الظلم أو بحسن العدل وقبح الظلم فهذه المصلحة إما أمر اعتباري غير حقيقي ولا موجود واقعي وإنما جعله العقل جعلا من غير أن ينتهي إلى حقيقة خارجية عاد