الأمر إلى كون العقل حاكما لذاته غير مستند في حكمه إلى أمر خارج عن ذاته ، وقد مر بطلانه.
وإما أمر حقيقي موجود في الخارج ولا محالة هي ممكنة معلولة للواجب ينتهي وجوده إليه تعالى ويقوم به كانت فعلا من أفعاله ورجع الأمر إلى كون بعض أفعاله تعالى بتحققه مانعا عن تحقق بعض آخر وأنه دل بذلك العقل أن يحكم بوجوب الفعل أو عدم جوازه ، وبعبارة أخرى ينتهي الأمر إلى أنه تعالى بالنظر إلى نظام الخلقة يختار فعلا من أفعاله على آخر وهو ما فيه المصلحة على الخالي منها هذا بحسب التكوين ثم دل العقل أن يستنبط من المصلحة أن الفعل الذي اختاره وهو العدل مثلا واجب عليه وإن شئت فقل : حكم بلسان العقل بوجوب الفعل عليه وبالجملة لم ينته الإيجاب إلى غيره بل رجع إليه فهو الموجب على نفسه لا غير.
فقد اتضح بهذا البحث أمور :
الأول : أن له ملكا مطلقا لا يتقيد بتصرف دون تصرف فله أن يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ، قال تعالى : « فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ » البروج : ١٦ ، وقال : « وَاللهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ » الرعد : ٤١ غير أنه تعالى بما كلمنا في مرحلة الهداية على قدر عقولنا ونصب نفسه في مقام التشريع أوجب على نفسه أشياء ومنع نفسه عن أشياء فاستحسن لنفسه أشياء كالعدل والإحسان ، كما استحسنها لنا واستقبح أشياء كالظلم والعدوان ، كما استقبحها لنا.
ومعنى كونه تعالى مشرعا آمرا وناهيا هو أنه تعالى قدر وجودنا في نظام متقن يربطه إلى غايات هي سعادتنا وفيها خير دنيانا وآخرتنا وهي المسماة بالمصالح ونظم أسباب وجودنا وجهازات أنفسنا نظما لا يلائم إلا مسيرا خاصا في الحياة من أفعال وأعمال هي الملاءمة لمصالح وجودنا لا غير فأسباب الوجود والجهازات المجهزة والأوضاع والأحوال الحافة بنا تدفعنا إلى مصالح وجودنا ومصالح الوجود تدعونا إلى أعمال خاصة تلائمها ومسير في الحياة تسوقنا إلى كمال الوجود وسعادة الحياة وإن شئت فقل : تندبنا إلى قوانين وسنن في العمل بها والجري عليها خير الدنيا والآخرة.
وهذه القوانين التي تهتف بها الفطرة ويعلمها الوحي السماوي هي الشريعة وإذ هي