وهذا هو الذي بعثني على ما قوي في نفسي ، ولم يسبقني إليه من قبلي ، من أنّ المسائل المتكثّرة التي صدرت عنه في أرض خراسان والعراق ، ممّا لا ينبغي حملها على التقيّة ، وهي من أبعد احتمالاتها ، بخلاف ما صدر عن سائر الأئمّة عليهمالسلام في عصر الدولة الأمويّة ، وجملة من أعصار العبّاسيّة ، كالأخبار الصادرة عن الحسنين ، والسجاد ، وسيّدنا أبي جعفر ، وموسى بن جعفر عليهمالسلام ، فإنّ الأصل في احتمالات تلك الأخبار احتمال التّقيّة ، وهي من أظهر وجوهها.
وكيف كان فاحتمال التقيّة في أمر مثل هذا الكتاب من أبعد الوجوه ، ولو كان من تأليفه عليهالسلام لكان يظهره أيّام ظهور أمره ، وكان يأمر الطائفة بالرجوع إليه ، وباعتبار ذلك كان يشتهر غاية الاشتهار بين العلماء (١).
إن قلت : لعلّه كان معروفا في عصره ، وإنّما خفي بعده باعتبار اشتداد التقيّة في أعصار مولانا الجواد والعسكريّين عليهمالسلام ، ولا سيّما في خلافة المتوكّل لعنه الله.
قلت : إنّ عروض التقيّة بعد الاشتهار بين علماء الطائفة ورواة الأخبار المعاصرين له عليهالسلام ، لا يقتضي عدم وصوله إلى المتأخّرين عنهم من أصحابنا ، الذين أخذوا منهم ورووا عنهم ، وذلك لأنّ التقيّة مانعة عن إظهار الأمر لدى المخالفين ، ولا يخفى أنّه لا يستلزم عدم اشتهاره بين أهل المذهب أيضا. ألا ترى أنّ أكثر الأمور التي تختصّ بأهل مذهبنا لم يخف على أصحابنا؟ وشاع بينهم بحيث بلغ حدّ ضرورة المذهب ، وكذا الأخبار
__________________
(١) رسالة في تحقيق حال فقه الرضا عليهالسلام للخوانساري : ٩.