وعلى كلّ من هذه الوجوه يلزم عدم كونه من تأليفه عليهالسلام.
أمّا على الأوّل ، والثالث ، والرابع فهو من أوضح الواضحات.
وأمّا على الثاني ، فلأنّ سياق كلماته ـ على ما حكى عن رسالته ـ ينادي بأعلى صوتها أنّ ما يذكر فيه من عبارته التي أنشأها ، وأنّه ليس من كلمات غيره ، وهو الذي فهمه منه ولده الصدوق على ما يعطيه سياق نقله عنه في الفقيه. وأيضا نقول : إنّ عليّا إمّا لم يعلم أنّه من تأليف الإمام عليهالسلام ، وظنّه تأليف غيره أم لا ، وعلى كلّ منهما يلزم محذور.
أمّا على الأوّل ، فلأنّه لا يخفى على ذي فطنة ، بصير بأحوال القدماء الأجلاّء ، خبير بديدن هؤلاء الأعلام ، أنّ جلالة عليّ ، وعلوّ قدره ، وسموّ مرتبته ، ممّا يأبى عن أن يظنّ في حقّه أنّه أخذ رسالته المذكورة من كلمات غير الإمام ، وذكر عبارات ذاك الغير في كتابه ، ونسبها الى نفسه ، وسكت عن بيان أصله ، فإنّ هذا أمر قبيح ، وتدليس شنيع ، وعجز بيّن ، لا ينبغي أن يصدر ممّن شمّ رائحة العلم ، فضلا عن أن يصدر عن علي بن بابويه. وأيضا من البعيد أن يقال : إنّ ذلك الكتاب كان من تأليف الإمام ، وقد خفي على عليّ ، بحيث ظنّه من تأليف غيره ، مع أنّه ـ رحمهالله ـ كان أكثر تتبعا ، وأقرب عصرا ، وأشدّ اهتماما في أمثال هذه الأمور.
ومن الواضح أنّ أمثال علي بن بابويه ما كانوا يكتفون بمجرّد سواد على بياض ، وما كانوا يعتمدون على ما لم يثبت لديهم قائله ، أو على كتاب لم يكن لهم طريق معتبر الى مؤلّفه ، كما لا يخفى على من أمعن النظر في تضاعيف فهرست الشيخ ، ورجال النجاشي ، ونظائرهما من كتب الرجال.
وأمّا على الثاني ، فيلزم محذور أشدّ ممّا ذكرنا ، فإنّ الطبع السليم ، والفهم القويم المستقيم ، ممّا يحكم بأنّ هذا الكتاب لو كان حاله معلوما لدى عليّ بن بابويه ، وكان يعلم أنّه من تصنيف الإمام عليهالسلام لما كان يخفيه عن ولده الصدوق ، الناقد البصير ، ولكان يطلعه على ذلك. وقد عرفت ممّا مرّ أن من