غياهب الأوهام ، ودستورا يرجع إليه في معرفة الحلال والحرام ، ودليلا لرائد الفكر إذا تاه في مجاهل الشبهات ، وسبيلا قصدا إلى مستور الأخبار ومخفي الروايات ، وهاديا إلى كنوز من العلم لم تزل عن الأبصار مخفيّة ، وناشرا لإعلام هداية لم تزل من قبل مطويّة ، وطلع في آفاق المفاخر بدرا كاملا بعد السرار (١) ، وعمّ نوره سائر الأمصار ، وافتخر به هذا العصر على ما تقدمه من سائر الأعصار ، وأصبحت عيون الفضل به قريرة ، ومسالك الأفهام به مستنيرة ، ورأى العلماء منه بالعيان ، ما زعموا خروجه عن (٢) حدّ الإمكان ، ونظروا إلى درر متّسقة ، طالما اشتاقوا أن يروها ولو متفرّقة.
ولمّا فاح مسك ختامه ، ولاح كالبدر ليل تمامه ، انتهى ميدان القلم إلى استدراك للفوائد ، وما خفي على الشيخ المصنف (٣) رحمهالله من غوالي الفرائد ، فاشتمل ـ بحمد الله تعالى ـ كسابقه على فوائد جمّة ، ونفائس مهمّة ، لم تنل لآليها من قبل كفّ غائص ، ولا دنت من آرام (٤) كناسها حبالة قانص ، فكم من راو مجهول بين أبناء صنفه بيّنت فيها حاله ، ومهجور لضعفه نبّأت على أنّه في غاية الجلالة ، ومشتبه شخصه وحاله يزول عنه الشكّ والريب ، ومطعون في دينه يظهر براءته عن وصمة العيب.
وكم من عالم ضاع اسمه في زوايا الخمول ، ودرست من أبيات فضائله
__________________
(١) السرار : اختفاء القمر آخر ليلة من الشهر ، لسان العرب ٢ : ٦٨٢ مادة : سرر.
(٢) في الحجرية : من.
(٣) الشيخ الإمام ، العلامة المحقق ، محمّد بن الحسن بن علي بن محمّد بن الحسين الحر العاملي المشغري ، كان عالما ، فاضلا ، أديبا ، فقيها ، محدثا ، بل من أجلّة المحدّثين ، صنف العديد من الكتب والرسائل وكان من أهمها وأشهرها « وسائل الشيعة ».
ولد في قرية مشغرة ليلة الجمعة ثامن شهر رجب المرجب سنة ١٠٣٣ ه ، وتوفي في المشهد الرضوي على مشرفها السلام في الحادي والعشرين من شهر رمضان سنة ١١٠٤ ه.
(٤) الآرام : جمع رئم ، وهو الظبي الأبيض الخالص البياض ، انظر الصحاح ٥ : ١٩٢٧ مادة : رام.