الآثار والطلول ، وأخمدت مصابيح فضائله أعصار الأعصار ، وعادت رياض مناقبه ذاوية الأزهار ، أظهرت ما خفي من علمه ، وجدّدت ما درس من رسمه ، حتى عاد منارا به يهتدى ، وعلما به يقتدى.
وأصل من معظم الأصول ، كان عند القدماء عليه المعوّل ، لا غناء لهم عنه ولا متحول ، كان لهم عليه في العمل المدار ، وفي اشتهار الصحة كالشمس في رابعة النهار ، أصبح في هذه الأعصار مجهول الانتساب والمقدار ، وقابله أهله بالردّ والإنكار ، أعرصوا عنه مذ لم يعرفوه ، وجهلوا حاله ـ أو حال مصنّفه ـ فانكروه ، فشيّدت ـ بحمد الله تعالى ـ فيها أساس صحّته ، وأثبتّ علوّ قدر مصنّفه وجلالة رتبته.
وآخر محت آثاره شبهات الغافلين ، وتشكيكات الجاهلين ، جدّدت معالمه الدارسة ، وأحييت آثاره الطامسة ، وأجبت عن تلك الشبهات الغثة ، والشكوك الرثّة ، حتى أضحت بريئة من تلك التهم ، وانجاب عنه ذلك لغمام المدلهم.
وبالجملة فهذه الدرر والفرائد ، التي نظمتها في سلك واحد ، جديرة بأن تكون لأجياد غواني المعاني عقودا ، ويفصّل هذا السابري لأجسادها حللا وبرودا ، إذ كلّ فائدة منها فريدة عن غيرها ممتازة ، وخريدة عن جاراتها منحازة ، تستقل كلّ منها بنفسها ، وتفوق على من سواها من جنسها ، وكان من حقها أن نجعل كل فائدة منها كتابا مستقلا ، وموردا يروي ظمأ طلاّبها علا ونهلا ، ولكن صدّنا عن ذلك ما عزمنا عليه من إتمام مستدرك الكتاب ، وكراهة أن تبقى مشيدات قصوره ناقصة البيوت والأبواب ، والناظر في ذلك بالخيار : إن شاء أبقاها على ما وقع عليه الاختيار ، وان شاء جعلها عقودا مفصّلة في نحور الطروس ، ونفائس تتنافس في رؤيتها النفوس ، وأسأل الله أن يجعل نفعها عامّا لخصوص اولي الألباب ، وأن ينفعني بها يوم الحساب.