هو الحق ، فقال عمرو : أيّها الملك إنّ هذا ترك ديننا ، فردّه إلينا وإلى بلادنا ، فرفع النّجاشي يده فضرب بها وجهه ، ثمّ قال : لئن ذكرته بسوءٍ لأقتلنّك ، فخرج عمرو والدّم يسفك على ثيابه.
قال : وكان عمارة حسن الوجه وعمرو كان أخرج أهله معه ، فلمّا كانوا في السّفينة شربوا الخمر ، قال عمارة لعمرو : قل لأهلك : تقبّلني ، فقال عمرو : أيجوز هذا ؟ فلمّا تنشّى عمارة ألقى عمرواً في البحر (١) ، فتشبّث بصدر السّفينة فأخرجوه.
ثمّ إنّهم لمّا كانوا عند النّجاشي كانت وصيفة على رأسه تذبّ عنه وتنظر إلى عمارة وكان فتى جميلاً ، فلمّا رجع عمرو إلى منزله قال لعمارة : لو راسلت جارية الملك ففعل فأجابته ، قال عمرو : قل لها : تحمل إليك من طيب الملك شيئاً ، فحملت إليه فأخذه عمرو ، وكان الّذي فعله عمارة في قلبه حيث ألقاه في البحر ، فأدخل الطّيب على النّجاشي وقال : إنّ صاحبي الّذي معي راسل حرمتك وخدعها وهذا طيبها ، فغضب النّجاشي وهمّ أن يقتل عمارة ثمّ قال : لا يجوز قتله لأنّهم دخلوا بلادي بأمان ، فأمر أن يفعلوا به شيئاً أشدّ من القتل ، فأخذوه ونفخوا في إحليله بالزّيبق فصار مع الوحش.
فرجع عمرو إلى قريش وأخبرهم بخبره ، وبقي جعفر بأرض الحبشة في أكرم كرامة ، فما زال بها حتّى بلغه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله قد هادن قريشاً وقد وقع بينهم صلح ، فقدم بجميع من معه ووافى رسول الله صلّى الله عليه وآله وقد فتح خيبر ، وقد ولد لجعفر من أسماء بنت عميس بالحبشة عبد الله بن جعفر (٢).
٤٠٣ ـ وقال ابوطالب : يخصّ النّجاشي على نصرة النّبيّ وأتباعه وأشياعه :
تعلّم مليك الحبش أنّ محـمداً |
|
نبيٌّ كموسى والمسيح بن مريم |
أتى بالهدى مثل الّذي أتيا بـه |
|
وكلّ بحمد الله يهدي ويعصم |
وأنّـكم تتلونه في كتابـكم |
|
بصدق حديث لا حديث المرجَّم |
فلا تجعـلوا لله ندّاً وأسـلمـوا |
|
فانّ طريق الحق ليس بمظلم (٣) |
٤٠٤
ـ وفيما روي محمّد بن اسحاق أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله بعث عمرو بن
_________________________________
(١) في البحار : فلمّا انتشى عمرو ... فدفعه عمارة في البحر.
(٢) بحار الانوار (١٨ / ٤١٤ ـ ٤١٦) ، برقم : (٧) عن التّفسير للقمي اقتباساً وإيجازاً.
(٣) بحار الانوار (١٨ / ٤١٨) ، برقم : (٤) عن اعلام الورى والقصص.