الدنيوية والدينية ، والمؤمن حين يقول : الله الصّمد ، فإنّه يخلص من هذه العقيدة.
وهكذا الضالون من أهل الكتاب من اليهود الذين يقولون بأنّ العزير هو ابن الله ، والنصارى القائلين بأنّ المسيح هو ابن الله. فإذن متى قال المؤمن : لم يلد ولم يولد فإنّه يطهّر من هذه العقيدة.
والفرقة الخامسة : المجوس القائلون بأنّ (أهرمن) إبليس له نفس القدرة الإلهية في التأثير ، والمنازعة دائمة بين جنود الرحمن والشيطان. ففي بعض الأحيان : يجري حكم الله في عالم الخير ويكون هو الغالب ، وحينا يتغلّب جيش إبليس. وهو يظهر في عالم الشّرّ والقبح. إذن : فالمؤمن حين يقول : ولم يكن له كفوا أحد ينجو من شرّ هذا الاعتقاد ، ولذلك سمّيت هذه السورة سورة الإخلاص.
إذن فليعلم أنّ تفصيل أنواع الشّرك في عالم الواقع هو : ثمّة فرقة تعتقد بوجود صانعين للعالم ؛ أحدهما حكيم وهو مصدر الخير والفضائل ، وذاك الذي يدعى يزدان ، وآخر : سفيه هو مصدر الشّرّ والرذائل وذاك ما يدعونه أهرمن. ويقال لهذه الجماعة : الثنوية. وبطلان مذهبهم بلسانهم أيضا ظاهر ؛ لأنّ ذلك الصانع السفيه إذا كان من عمل الصانع الحكيم ، فيلزم إذن أن يكون الشّرّ صادرا عن الحكيم أيضا. وأمّا إذا كان ظهوره بذاته فهو إذن واجب ، وتجب له حينئذ صفات الكمال كالعلم والقدرة والحكمة. إذن هذا الواجب الموجود صار سفيها وجاهلا؟
والفرقة الثانية هي التي تسمّى صابئة وتقول : على رغم أنّ صفات واجب الوجود كالعلم والقدرة والحكمة هي خاصة بالله ، لكنه سبحانه جعل أمور هذا العالم مرتبطة بنجوم السماء ، وفوّض إليها تدبير أمور الخير والشّرّ ، فعلينا إذن أن ننظّم أرواح هذه الكواكب كلّ التنظيم حتى تنتظم أمورنا. ومذهب هؤلاء باطل بلسانهم وذلك أنّه إذا كان الله جلّ جلاله يعلم عبادتنا ، فتكون عبادة الكواكب لغوا ولا نتيجة لها ، لأنّ التّقرّب الذي يحصل لنا من عبادته يغنينا عن التوسّل بأرواح هذه الكواكب ، وأمّا إذا كان الله سبحانه لا يدري بعبادتنا ، فحينئذ يطرأ على علمه القصور ، فلا يكون واجب الوجود ، ويضاف لذلك أنّ تلك النجوم التي تسيّر أمور معاشنا إن كانت تفعل ذلك من عندها فهي إذن مساوية في القدرة لله ، وصار الشّرك في القدرة الإلهية لازما. وإذا كانت تفعل ما تفعل بقدرة معطاة لها من الله. إذن فكما أنّه سبحانه جعلها واسطة لتسيير مصالحنا وأمورنا ، فكذلك يمكن أن يلقي في روعها أن تفيض علينا (من بركاتها) وأيضا تصبح عبادتها مساوية لعبادة الله.
وحينئذ يكون هؤلاء (الصابئة) قد ساووا بينها وبين الله ، فيحصل الشّرك في العبادة.
والفرقة الثالثة هم الهنود القائلون : بأنّ الروحانيات الغيبية التي تدبّر شئون العالم لها صور ملوّنة ، وهي محجوبة عنّا بالحجب والسّتائر فعلينا إذن أن نتقدّم منها بالأشياء النفيسة كالذّهب والفضّة ، لأنّ تعظيم تلك الصور في الحقيقة هو تعظيم لها ، لكي ترضى عنّا تلك الروحانيات وتسيّر أمورنا.
وهذا المذهب باطل بنفس البرهان الذي تبطل به عقيدة الفرقة الثانية أي (الصابئة).
والفرقة الرابعة : عبّاد الشيوخ. القائلون : بأنّ الرجل الكبير قد صار بسبب كمال الرياضة والمجاهدة الروحية مستجاب الدّعوة ومقبول الشفاعة ، فتصل إلى روحه قوة عظيمة واسعة وفخمة جدا من هذا العالم. فكلّ من يجعل من صورته برزخا أو يتذلّل على قبره ويسجد أو يذكر مكان عبادته أو ينذر باسمه ويتضرّع له وما