الله. فثبت أنّ الأكثر منهم كانوا مقرّين بأنّ [الله] (١) إله العالم واحد ، وإنّه ليس له في الإلهية بمعنى خلق العالم وتدبيره شريك ونظير كما يدلّ عليه قوله تعالى : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ) (٢) فإذا ثبت أنّ وقوع اسم المشرك على الكافر ليس من الأسماء اللغوية بل من الأسماء الشّرعية كالزكاة والصلاة وغيرهما وجب اندراج كلّ كافر تحت هذا الاسم. هذا كلّه خلاصة ما في التفسير الكبير في سورة الأنعام في تفسير قوله تعالى : (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ) (٣) آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً (٤) ، وفي سورة البقرة في تفسير قوله تعالى : (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَ) (٥). والمفهوم من الإنسان الكامل أيضا أنّ المشرك لا يتناول الكفار بأجمعهم. قال : ما في الوجود حيوان إلاّ وهو يعبد الله إمّا على التقييد بمحدث ومظهر وهو المشرك وإمّا على الإطلاق وهو الموحّد ، وكلّهم عباد الله على الحقيقة لأجل الوجود الحق ، فإنّ الحقّ تعالى من حيث ذاته يقتضي أن لا يظهر في شيء إلاّ ويعبد ذلك الشيء ، وقد ظهرت في ذات (٦) الوجود. فمن الناس من عبد الطبائع أي العناصر وهي أصل العالم ، ومنهم من عبد الكواكب ، ومنهم من عبد المعدن ، ومنهم من عبد النار ، ولم يبق شيء في الوجود إلاّ وقد عبد شيئا من العالم إلاّ المحمّديون فإنّهم عبدوه من حيث الإطلاق بغير تقييد بشيء آخر من المحدثات انتهى.
ينبغي أن يعلم أنّ العلماء قالوا : الشّرك على أربعة أوجه : حينا في العدد. وقد نفي بقوله تعالى : أحد ، أي «قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ». وحينا في المرتبة : وقد نفي بقوله تعالى : صمد ، أي «اللهُ الصَّمَدُ». وحينا بالنسبة (للزوجة والولد) وقد نفاه بقوله سبحانه «لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ». وحينا في العمل والتأثير وقد نفاه سبحانه بقوله : «وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ». وقالوا أيضا : إن أصحاب المذاهب الباطلة ينقسمون إلى خمس فرق : الفرقة الأولى : الدّهرية القائلون بأنّه ليس للعالم صانع ، وأنّ المواد اجتمعت هكذا وتشكّلت منها الصّور الموجودة. وعليه متى ذكر المسلمون بلسانهم لفظة هو فذلك هو التبرّي من عقائد الدّهرية.
الفرقة الثانية هم الفلاسفة : وهم الذين يقرّون بوجود الصّانع ولكن لا صفة له عندهم. أي أنّ التأثير في العوالم من الوسائط وليس من الصّانع. وفي الحقيقة : الهنود على هذا الرأي. ومتى قال الرجل المؤمن : الله ، فإنّ ذلك يعني وصفه بجميع صفات الكمال ، وبذلك ينجو ويبتعد من عقائد هذه الفرق. والفرقة الثالثة : الثّنوية : وهم القائلون بأنّ العالم لا يكفي وجود صانع لجميع ما في العالم ، وذلك لأنّ العالم فيه الخير والشّرّ موجودان ، فلا بدّ للخير من خالق وللشّرّ من خالق. إذن لا بدّ من صانعين اثنين. وخالق الخير يسمّى عندهم يزدان وأمّا خالق الشّرّ فهو عندهم أهرمن. فإذن ، متى نطق المؤمن بلفظ ، أحد ، فقد نجا من شرّ شرك هؤلاء.
والفرقة الرابعة : عبدة الأوثان ؛ الذين يعتقدون بأنّ عبادة الأوثان وسيلة لقضاء حاجاتهم
__________________
(١) الله (+ م).
(٢) الزخرف / ٩.
(٣) لأبيه (ـ ع).
(٤) الأنعام / ٧٤.
(٥) البقرة / ٢٢١.
(٦) ذرات (م).