الخيالي للمولوي عبد الحكيم. والثالث أنه إقرار باللسان وإخلاص بالقلب. ثم المعرفة بالقلب على قول أبي حنيفة مفسّرة بشيئين : الأول الاعتقاد الجازم سواء كان استدلاليّا أو تقليديّا ، ولذا حكموا بصحة إيمان المقلّد وهو الأصح.
والثاني العلم الحاصل بالدليل ، ولذا زعموا أن الأصح أنّ إيمان المقلّد غير صحيح. ثم هذه الفرقة اختلفوا ، فقال بعضهم الإقرار شرط للإيمان في حق إجراء الأحكام حتى أنّ من صدّق الرسول عليهالسلام فهو مؤمن فيما بينه وبين الله تعالى وإن لم يقرّ بلسانه وهو مذهب أبي حنيفة وإليه ذهب الأشعري في أصح الروايتين وهو قول أبي منصور الماتريدي. ولا يخفى أنّ الإقرار لهذا الغرض لا بدّ أن يكون على وجه الإعلام على الإمام وغيره من أهل الإسلام ليجروا عليه الأحكام ، بخلاف ما إذا كان ركنا فإنه يكفي مجرّد التكلّم في العمر مرة ، وإن لم يظهر على غيره كذا في الخيالي. وقال بعضهم هو ركن ليس بأصلي له بل هو ركن زائد ، ولهذا يسقط حال الإكراه. وقال فخر الإسلام إنّ كونه زائدا مذهب الفقهاء وكونه لإجراء الأحكام مذهب المتكلمين.
والفرقة الرابعة قالوا إنّ الإيمان فعل بالقلب واللسان وسائر الجوارح وهو مذهب أصحاب الحديث ومالك (١) والشافعي وأحمد والأوزاعي (٢). وقال الإمام وهو مذهب المعتزلة والخوارج والزيدية. أما أصحاب الحديث فلهم أقوال ثلاثة : القول الأول أنّ المعرفة إيمان كامل وهو الأصل ثم بعد ذلك كل طاعة إيمان على حدة ، وزعموا أنّ الجحود وإنكار القلب كفر ، ثم كل معصية بعده كفر على حدة ، ولم يجعلوا شيئا من الطاعات ما لم يوجد المعرفة والإقرار باللسان إيمانا ولا شيئا من المعاصي كفرا ما لم يوجد الجحود والإنكار لأن اصل الطاعات الإيمان وأصل المعاصي الكفر والفرع لا يحصل بدون ما هو أصله وهو قول عبد الله بن سعد (٣). والقول الثاني أن الإيمان اسم للطاعات كلها فرائضها ونوافلها ، وهي بجملتها إيمان واحد ، وأنّ من ترك شيئا من الفرائض فقد انتقض إيمانه ، ومن ترك النوافل لا ينتقض إيمانه. والقول الثالث أنّ الإيمان اسم للفرائض دون النوافل.
وأما المعتزلة فقد اتفقوا على أنّ الإيمان إذا عدّي بالباء فالمراد (٤) به في الشرع التصديق ، يقال آمن بالله أي صدّق ، إذ الإيمان بمعنى أداء الواجبات لا يمكن فيه هذه التعدية ،
__________________
مثقال ذرة في إيمان ...» وهكذا روي عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان». وقال عقبه : هذا حديث حسن صحيح غريب.
(١) مالك بن أنس : هو الإمام مالك بن أنس بن مالك الأصبحي الحميري ، أبو عبد الله. ولد بالمدينة عام ٩٣ هـ / ٧١٢ م. وتوفي فيها عام ١٧٩ ه. إمام دار الهجرة ، وأحد الأئمة الأربعة في الفقه ، وهو صاحب المذهب المالكي. أصولي مجتهد ، محدث ومفسّر. له عدة مؤلفات. الأعلام ٥ / ٢٥٧ ، معجم المفسرين ٢ / ٤٦٠ ، وفيات الأعيان ١ / ٤٣٩ ، تهذيب التهذيب ١٠ / ٥ ، صفة الصفوة ٢ / ٩٩ ، حلية الأولياء ٦ / ٣١٦ ، تاريخ الخميس ٢ / ٣٣٢ ، اللباب ٣ / ٨٦ ، تاريخ التراث العربي ٢ / ١٢٠ ، مرآة الجنان ١ / ٣٧٣ ، مفتاح السعادة ٢ / ٨٤ وغيرها.
(٢) الأوزاعي : هو الإمام عبد الرحمن بن عمرو بن محمد الأوزاعي ، أبو عمرو. ولد في بعلبك عام ٨٨ هـ / ٧٠٧ م وتوفي ببيروت عام ١٥٧ هـ / ٧٧٤ م. إمام أهل الشام في الفقه والزهد ، محدث عالم بالأصول. له عدة مؤلفات. الأعلام ٣ / ٣٢٠ ، ابن النديم ١ / ٢٢٧ ، وفيات الأعيان ١ / ٢٧٥ ، تاريخ بيروت ١٥ ، حلية الأولياء ٦ / ١٣٥ ، شذرات الذهب ١ / ٢٤١.
(٣) هو عبد الله بن سعد بن سعيد بن أبي جمرة الأزدي الأندلسي أبو محمد. أصله أندلسي وتوفي بعصر عام ٦٩٥ هـ / ١٢٩٦ م. فقيه مالكي ، عالم بالحديث. له عدة مؤلفات. الأعلام ٤ / ٨٩ ، البداية والنهاية ١٣ / ٣٤٦ ، نيل الابتهاج هامش الديباج ١٤٠.
(٤) فالمقصود (م ، ع).