يعدّا من الشروط ، فالحقّ أنّ الشروط تسعة. والأشاعرة ينكرونها ويقولون لا نسلّم وجوب الرؤية عند اجتماع تلك الشرائط ، فإنّا نرى الجسم الكبير من البعيد صغيرا وما ذلك إلاّ لأنّا نرى بعض أجزائه دون البعض مع تساوي الكلّ في حصول الشرائط.
فائدة :
أجمعت الأئمة من الأشاعرة على أنّ رؤيته تعالى في الدنيا والآخرة على ما هو عليه جائزة عقلا ، واختلفوا في جوازها سمعا في الدنيا ، فأثبته البعض ونفاه آخرون. وهل يجوز أن يرى في المنام؟ فقيل لا ، وقيل نعم. والحقّ أنّه لا مانع من هذه الرؤيا وإن لم تكن رؤية حقيقة. ولا خلاف بيننا وبين معاشر الأشاعرة في أنّه تعالى يري ذاته. والمعتزلة حكموا بامتناع رؤيته عقلا لذوي الحواسّ واختلفوا في رؤيته لذاته. قال الإمام الرازي : الأمة في وقوع الرؤية على قولين : الأول يصحّ ويرى والثاني لا يصحّ ولا يرى.
بصر الحقّ : [في الانكليزية] The vision of the True (God) ـ [في الفرنسية] La vue du Vrai (Dieu)
قال الصوفية بصر الحق سبحانه تعالى عبارة عن ذاته باعتبار شهوده بمعلوماته ، فعينه سبحانه تعالى عبارة عن ذاته باعتبار مدى غاية علمه ، لأنه بذاته يبصر ، ولا تعدّد في ذاته. فمحلّ علمه محلّ بصره وهما صفتان ، وإن كانا بالحقيقة شيئا واحدا فليس المراد ببصره إلاّ تجلّي علمه له في المشهد العياني ، وليس المراد بعلمه إلاّ الإدراك بنظره له في العلم العيني ، فهو يرى ذاته بذاته ويرى مخلوقاته أيضا بذاته ، فرؤياته (١) لذاته عين رؤياته (٢) لمخلوقاته لأن البصر وصف واحد ، وليس الفرق إلاّ في المرئي ، فهو سبحانه لا يزال يبصر الاشياء لكنه لا ينظر إلى شيء واحد إلاّ إذا شاء ؛ فالأشياء غير محجوبة عنه أبدا ، ولكن لا يوقع نظره على شيء إلاّ إذا شاء ذلك. ومن هذا القبيل قوله عليهالسلام «إنّ لله كذا وكذا نظرة إلى القلب في كل يوم» (٣). وقوله تعالى : (وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ) (٤) الآية ليس من هذا القبيل ، بل النظر هاهنا عبارة عن الرحمة الإلهية التي رحم بها من قرّبه إليها. بخلاف النظر الذي إلى القلب فإنه على ما ورد من النبي عليه الصلاة والسلام ، وليس هذا الأمر مخصوصا في الصفة النظرية وحدها بل سار في غيرها من الأوصاف. ألا ترى إلى قوله تعالى (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ) (٥) ولا نظنّ أنّه يجهلهم قبل الابتلاء ، تعالى الله عن ذلك. وكذلك في النظر فهو لا يفقد القلب الذي ينظر إليه كل يوم كذا وكذا نظرة ، لكن تحت ذلك أسرارا لا يمكن كشفها بغير هذا التنبيه ، فمن عرف فليلزم ، ومن ذهب إلى التأويل فإنّه لا بدّ أن يقع في نوع من التعطيل فافهم ، كذا في الإنسان الكامل. والمتكلّمون اختلفوا فيه. فقيل هو نفس العلم. وقيل زائد عليه. وقيل بعدم الوقوف بحقيقته ويجيء في لفظ السمع.
البصيرة : [في الانكليزية] Perspicacity ، sagacity ـ [في الفرنسية] Perspicacite ، sagacite
هي قوة للقلب منوّرة بنور القدس ترى بها
__________________
(١) فرؤياه (م).
(٢) رؤياه (م).
(٣) روي في معنى ذلك فجاء (إن لله عزوجل في كل يوم ثلاثمائة وستين نظرة لا ينظر فيها إلى صاحب الشاه يعني الشطرنج). ابن الجوزي ، العلل المتناهية في الأحاديث الواهية ، كتاب ذمّ المعاصي ، باب حديث في الشطرنج ٢ / ٧٨٣.
(٤) آل عمران / ٧٧.
(٥) محمد / ٣١.