لذلك الواحد ومتعلّق به لا أنّه يتوقف عقلية ذلك العامل عليه فإنك إذا قلت جاءني رجل عالم فاستفاد عالم الرفع بما استفاد به رجل ، لكن استفادة رجل بالأصالة واستفادة عالم بالتبعية ، يعني لمّا ثبت مجيء الرجل بإسناد جاء إليه ثبت مجيء العالم أيضا ضرورة أنّ ذلك الرجل عالم ، والمراد هاهنا هو هذا الثاني. وكذا يخرج نحو قرأت الكتاب جزءا وجزءا وجاء الملك صفا صفا لأنّ الثاني غير متلبس بإعراب سابقه من جهة واحدة ، بل إعراب الأول والثاني إعراب واحد لتناولهما بلفظ واحد فظهر في الموضعين تحرزا عن الترجيح بلا مرجّح. هذا كله خلاصة ما في شروح الكافية.
اعلم أنّه يخرج عن هذا التعريف نحو ضرب ضرب زيد وإنّ إنّ زيدا قائم وزيد قائم زيد قائم ، فإنّ كلّ واحد من ضرب الثاني وإنّ الثانية والجملة الثانية تابع وليس بإعراب سابقه. ولا ضرر في ذلك عند من ذهب إلى أنّ التابع المصطلح هو الذي يكون تابعا لما له إعراب بوجه ما. وأمّا عند من ذهب إلى أنّ التابع المصطلح أعمّ من أن يكون تابعا لما له إعراب أولا ، فلا بدّ عنده من التأويل في قولهم هو الثاني بإعراب سابقه بأن يقال المراد الثاني بإعراب سابقه على تقدير أن يكون له إعراب ولو فرضا ، أو الثاني بإعراب سابقه نفيا وإثباتا على ما يستفاد من الچلپي حاشية المطول في بحث الوصل والفصل حيث قال : قيل التّابع المصطلح هو الثاني بإعراب سابقه فلا بدّ أن يكون للمتبوع إعراب لفظي أو تقديري أو محلي ، فلا يشتمل للجمل التي لا محلّ لها من الإعراب. قلت المراد من قولهم هو الثاني بإعراب سابقه فيما يسابقه إعراب أو أنه بإعراب سابقه نفيا وإثباتا وإن كان خلاف الظاهر ، فإنّ الحقّ أنّ كون التابع مما يتلو السابق في أحوال آخره على الأكثر ، فالتقييد بذلك بناء على الغالب ، صرّح به في اللّب وشرحه (١) للسيّد ، ويؤيده ما صرّح به في شرح المغني (٢) بأنّ قوله تعالى (أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ) (٣) بدل اصطلاحي من قوله تعالى (أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ) (٤) مع أنّه لا محلّ لها من الإعراب انتهى.
ثم اعلم أنّ أقسام التوابع خمسة : النعت وعطف البيان والتأكيد والبدل وعطف النسق ، ويجيء تفاسيرها في مواضعها. وعند اجتماع تلك الأقسام في محلّ ترتب تلك التوابع بهذا الترتيب المذكور يعني يذكر الصفة أولا ثم عطف البيان ثم التأكيد ثم البدل ثم عطف النسق.
والتأكيد يجري في جميع أنواع الكلمة من الاسم والفعل والحرف بل في الجملة أيضا. والبدل يجري في الاسم والفعل والجملة ، كذا عطف النسق ، ولا يجري البيان والوصف في الجمل كما ستعرف في لفظ الجملة.
فائدة :
اعلم أنّهم اختلفوا ، فذهب بعضهم إلى أنّ
__________________
(١) يرجّح بأنه لب الألباب في علم الإعراب لعبد الله بن عمر البيضاوي (ـ ٦٨٥ هـ) اختصر فيه الكافية في النحو لابن الحاجب (ـ ٦٤٦ هـ) ، وعلى اللب شروح كثيرة منها شرح محمد بن پير علي المعروف ببركلي (ـ ٩٨١ هـ) ويعرف هذا الشرح بامتحان الأذكياء ، ومنها الشرح المسمّى مدرج الفوائد لما ألحق به من الزوائد لبا يزيد بن عبد الغفار القونوي ، ومنها أيضا خلاصة الكتب لمحمد بن علي الكوبناني (كان حيا سنة ٩٤١ هـ). كشف الظنون ٢ / ١٥٤٦.GAL ,I , ٤١٨.GAS ,II , ١٤.
(٢) لجمال الدين أبي محمد عبد الله بن يوسف المعروف بابن هشام (ـ ٧٦٢ هـ) وعليه شروح كثيرة منها شرح محمد بن أبي بكر الدماميني (ـ ٨٢٨ هـ) المسمّى بتحفة الغريب بشرح مغني اللبيب ، وشرح جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (ـ ٩١١ هـ) ، (ط). كشف الظنون ٢ / ١٧٥١ ـ ١٧٥٤ ؛ معجم المطبوعات العربية ٢٧٥.
(٣) الشعراء / ١٣٣.
(٤) الشعراء / ١٣٢.