المخصوصة ، وهذا هو الذي جعل مستفادا من المنطق والمشعر على ذلك استعمال المعرفة في إدراك الجزئيات. ثم هذا التعريف مشتمل على العلل الأربع ، فإنّ مادته هي القوانين ، تحتمل هذا الفن وغيره ، كما أن المادة أمر مبهم في نفسها تحتمل أمورا ولا تصير شيئا معيّنا منها ، إلاّ بأن ينضم إليها ما يحصله وما يعينه. وقولنا تفيد معرفة طرق الانتقال إشارة إلى الصورة لأنه المخصّص لها ، أي للقوانين بالمنطق ، وقد أشير أيضا إلى العلّة الفاعلية بالالتزام ، وهو العارف بتلك الطرق الجزئية المفادة العالم بتلك القوانين المفيدة إياها. وقولنا بحيث لا يعرض الغلط إشارة إلى العلّة الغائية.
اعلم أنّ المنطق من العلوم الآليّة لأنّ المقصود منه تحصيل المجهول من المعلوم ، ولذا قيل الغرض من تدوينه العلوم الحكمية ، فهو في نفسه غير مقصود ؛ ولذا قيل المنطق آلة قانونية تعصم مراعاتها الذهن عن الخطأ في الفكر ، فالآلة بمنزلة الجنس والقانونية بمنزلة الفصل تخرج الآلات الجزئية لأرباب الصنائع ، وقوله تعصم مراعاتها الخ يخرج العلوم القانونية التي لا تعصم مراعاتها عن الضلال في الفكر بل في المقال (١) كالعلوم العربية.
والموضوع ، قيل موضوعه التصوّرات والتصديقات ، أي المعلومات التصوّرية والتصديقية لأن بحث المنطقي عن أعراضها الذاتية ، فإنه يبحث عن التصوّرات من حيث أنها توصل إلى تصوّر مجهول إيصالا قريبا أي بلا واسطة كالحدّ والرسم أو إيصالا بعيدا ككونها كلية وجزئية وذاتية وعرضية ونحوها ، فإن مجرد أمر من هذه الأمور لا يوصل إلى التصوّر ما لم ينضم إليه آخر يحصل منهما حدّ أو رسم ، ويبحث عن التصديقات من حيث أنها توصل إلى تصديق مجهول إيصالا قريبا كالقياس والاستقراء والتمثيل ، أو بعيدا ككونها قضية وعكس قضية ونقيضها ، فإنها ما لم تنضم إليها ضميمة لا توصل إلى التصديق ، ويبحث عن التصوّرات من حيث أنها توصل إلى التصديق إيصالا أبعد ككونها موضوعات ومحمولات. ولا خفاء في أن إيصال التصوّرات والتصديقات إلى المطالب ، قريبا أو بعيدا ، من العوارض الذاتية لها ، فتكون هي موضوع المنطق. وذهب أهل التحقيق إلى أن موضوعه المعقولات الثانية لا من حيث أنها ما هي في أنفسها ولا من حيث أنها موجودة في الذهن ، فإن ذلك وظيفة فلسفية بل من حيث أنها توصل إلى المجهول ، أو يكون لها نفع في الإيصال ، فإن المفهوم الكلّي إذا وجد في الذهن وقيس إلى ما تحته من الجزئيات فباعتبار دخوله في ماهياتها يعرض له الذاتية ، وباعتبار خروجه عنها العرضية ، وباعتبار كونه نفس ماهياتها النوعية.
وما عرض له الذاتية جنس باعتبار اختلاف أفراده وفصل باعتبار آخر. وكذلك ما عرض له العرضية إمّا خاصة أو عرض عام باعتبارين مختلفين. وإذا ركبت الذاتيات والعرضيات إمّا منفردة أو مختلطة على وجوه مختلفة عرض لذلك المركّب الحدّية والرّسمية. ولا شك أن هذه المعاني ، أعني كون المفهوم الكلي ذاتيا أو عرضيا أو نوعا ونحو ذلك ، ليست من الموجودات الخارجية بل هي مما يعرض للطبائع الكلية ، إذا وجدت في الأذهان ، وكذا الحال في كون القضية حملية أو شرطية ، وكون الحجة قياسا او استقراء أو تمثيلا ، فإنها بأسرها عوارض تعرض لطبائع النسب الجزئية في الأذهان إما وحدها أو مأخوذة مع غيرها ، فهي أي المعقولات الثانية موضوع المنطق.
ويبحث المنطقي عن المعقولات الثالثة وما بعدها من المراتب ، فإنها عوارض ذاتية للمعقولات
__________________
(١) المثال (م).