الثانية ، فالقضية مثلا معقول ثان يبحث عن انقسامها وتناقضها وانعكاسها وإنتاجها إذا ركّبت بعضها مع بعض ، فالانعكاس والإنتاج والانقسام والتناقض معقولات واقعة (١) في الدرجة الثالثة من التعقّل ، وإذا حكم على أحد الأقسام أو أحد المتناقضين مثلا في المباحث المنطقية بشيء كان ذلك الشيء في الدرجة الرابعة من التعقّل ، وعلى هذا القياس. وقيل موضوعه الألفاظ من حيث أنها تدل على المعاني ، وهو ليس بصحيح لأن نظر المنطقي ليس إلاّ في المعاني ، ورعاية جانب اللفظ إنما هي بالعرض.
اعلم أن الغرض من المنطق التمييز بين الصدق والكذب في الأقوال والخير ، والشرّ في الأفعال ، والحق والباطل في الاعتقادات. ومنفعته القدرة على تحصيل العلوم النظرية والعملية. وأما شرفه فهو أن بعضه فرض وهو البرهان ، لأنه لتكميل الذات ، وبعضه نفل (٢) وهو ما سوى البرهان (٣) من أقسام القياس ، لأنه للخطاب مع الغير ، ومن اتقن المنطق فهو على درجة من سائر العلوم ، ومن طلب العلوم الغير المتّسقة وهي ما لا يؤمن فيها من الغلط ولا يعلم المنطق فهو كحاطب الليل وكرامد العين ، لا يقدر على النظر إلى الضوء لا لبخل من الموجد بل لنقصان في الاستعداد. والصواب الذي يصدر من غير المنطقي كرمي من غير رام. وقد يندر للمنطقي خطأ في النوافل دون المهمّات ، لكنه يمكنه استدراكه بعرضه على القوانين المنطقية.
ومرتبته في القراءة أن يقرأ بعد تهذيب الأخلاق وتقويم الفكر ببعض العلوم الرياضية من الهندسة والحساب. أما الأول فلما قال ابقراط (٤) : البدن الذي ليس ينقّى كلّما غذوته إنما يزيده شرّا ووبالا ، ألا ترى أنّ الذين لم يهذّبوا أخلاقهم إذا شرعوا في المنطق سلكوا منهج الضلال ، وانخرطوا في سلك الجهّال ، وأنفوا أن يكونوا مع الجماعة ، ويتقلّدوا ذلّ الطاعة ، فجعلوا الأعمال الطاهرة والأقوال الظاهرة من البدائع التي وردت بها الشرائع وقر (٥) آذانهم ، والحق تحت أقدامهم وأما الثاني فلتستأنس طبائعهم إلى البرهان ، كذا في شرح إشراق الحكمة. ومؤلّف المنطق ومدوّنه أرسطو (٦).
__________________
(١) واضحة (م).
(٢) نقل (م).
(٣) البراهين (م).
(٤) ابقراط (٤٦٠ ـ ٣٧٧ ق. م.) أقام في حمص وكان عالما موسوعيا في الطب جمع علوم عصره ومن سبقه. مارس الطب تاركا آثارا كثيرة جمعها خلال ملاحظاته ومعالجاته. اعتقد أن الجسم يتكون من عناصر أربعة رئيسية ، وأن المرض يقع عند ما يحدث اختلال في توازن هذه العناصر في الجسم الإنساني. نقلت أعماله إلى اللغات الأوروبية الحديثة. واستفاد منه أطباء العرب والمسلمين وعرفوه. أشهر مؤلفاته كتاب الفصول المتضمن لمقالات عدة باليونانية.
Laroue du xxeme siec. T . ٣ ، P. ٦٣٠١.
Webster\'s, New International Dictionary ، P. ١٨١١.
صوان الحكمة ، ص ٢٠٧ ـ ٢١٤ ، إخبار العلماء بأخبار الحكماء ، ١٣٢٦ هـ ، ص ٦٤.
(٥) دبر (م).
(٦) أرسطو طاليس (٣٨٤ ـ ٣٢٢ ق. م.) ولد في اسطاغيراStageria وهي مدينة يونانية من أعمال آسيا الصغرى ـ تركيا ـ وتقع على بحر ايجه هو ابن نيقوماخوس طبيب البلاط عند الملك امنتاس Amyntas الثاني المقدوني. والد فيليب وجد الاسكندر الأكبر. فلا عجب إن أصبح أرسطو معلما للإسكندر. تلقى ارسطو المبادئ العلمية فتشبّع في النظرة الواقعية ، بمثل ما تشبّع بفكر أفلاطون معلمه بعد التحاقه بمدرسته في أثينا ، حيث بقي يتتلمذ على يديه زهاء عشرين عاما. فلا مندوحة إن جمع ارسطو نظرة واقعية وفكرا مثاليا من معلمه افلاطون ذهب إلى اسوس Aus من أعمال