يحصل هذا الافتقار فحينئذ رؤية الجوهر الفرد على ذلك القدر من المسافة تكون ممكنة. ثم من المعلوم أنّ ذلك الجوهر الفرد لو حصل وحده من غير أن ينضمّ إليه سائر الجواهر ، فإنّه لا يرى فعلمنا أنّ حصول الرؤية عند اجتماع جملة الشرائط لا يكون واجبا بل جائزا ، فعلى هذا قول المعتزلة بثبوت الملك والجنّ مشكل فإنّهم إن كانوا موصوفين بالكثافة والصلابة فوجب عندهم رؤيتهم ، مع أنه ليس كذلك. فإنّ جمعا من الملائكة عندهم وعند الأشاعرة حاضرون أبدا وهم الحفظة والكرام الكاتبون ويحضرون أيضا عند قبض الأرواح ، وقد كانوا يحضرون عند الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم وإنّ أحدا من القوم ما كان يراهم. وكذلك الناس الجالسون عند من يكون في النزع لا يرون أحدا فإن وجب رؤية الكثيف عند الحضور فلم لا نراها ، وإن لم تجب الرؤية فقد بطل مذهبهم ، وإن كانوا موصوفين بالقوة الشديدة مع عدم الكثافة والصلابة فقد بطل مذهبهم. وقولهم البنية شرط للحياة إن قالوا إنّها أجسام لطيفة روحانية ولكنها للطافتها لا تقدر على الأفعال الشاقة ، فهذا إنكار بصريح القرآن ، فإنّ القرآن دلّ على أنّ قوتها عظيمة على الأفعال الشاقة. وبالجملة فحالهم في الإقرار بالملك والجنّ مع هذه المذاهب عجيب. هكذا في التفسير الكبير في تفسير سورة الجن. وما يتعلّق بهذا يجئ في لفظ المفارق. وفي الينابيع قيل العقلاء ثلاثة أصناف الملائكة والجنّ والإنس. فالملائكة خلقت من النور والإنس خلق من الطين والجن خلق من النار. فالجن خلقوا رقاق الأجسام بخلاف الملائكة والإنس. ورووا أنّ النبي عليهالسلام قال : (الجن ثلاثة أقسام : قسم منها : له ريش كالطيور تطير. وآخر على هيئة الأفعى والكلب ، وثالث على هيئة النّاس ، ويستطيعون التشكل بأي شكل يريدون) (١). وفي الإنسان الكامل : اعلم أنّ سائر الجنّ على اختلاف أجناسهم كلهم على أربعة أنواع : فنوع عنصريون ونوع ناريون ونوع هوائيون ونوع ترابيون. فأما العنصريون فلا يخرجون عن عالم الأرواح وتغلب عليهم البساطة ، وهم أشد قوة. سمّوا بهذا الاسم لقوة مناسبتهم بالملائكة ، وذلك لغلبة الأمور الروحانية على الأمور الطبيعية السفلية [منهم ،] (٢) ولا ظهور لهم إلاّ في الخواطر. قال تعالى (شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِ) (٣) ولا يترأون إلاّ للأولياء. وأما الناريون فيخرجون من عالم الأرواح غالبا وهم متنوعون في كل صورة ، أكثر ما يناجون (٤) الإنسان في عالم المثال فيفعلون به ما يشاءون في ذلك العالم ، وكيد هؤلاء شديد. فمنهم من يحمل الشخص بهيكله فيرفعه إلى موضعه ، ومنهم من يقيم معه فلا يزال الرائي مصروعا ما دام عنده. وأما الهوائيون فإنّهم يترأون في المحسوس يقابلون الروح فتنعكس صورتهم على الرائي فيصرع. وأما الترابيون فإنّهم يلبّسون الشخص ويضرونه برائحتهم ، وهؤلاء أضعف الجنّ قوة ومكرا انتهى.
فائدة : قد يطلق لفظ الجنّ على الملائكة والروحانيين لأنّ لفظ الجنّ مشتق من الاستتار ، والملائكة والروحانيون لا يرون بالعينين ، فصارت كأنها مستترة من العيون ، فلهذا أطلق
__________________
(١) وروايت كرده اند از پيغمبر عليه الصلاة والسلام كه گفت پريان سه گروه اند يك گروه پرها دارند چون مرغان پرند ويك گروه بر هيآت مار وسگ باشند ويك گروه خود را بر صفت آدميان وهر حيثيتي كه ميخواهند مى گردانند.
(٢) منهم (+ م).
(٣) الأنعام / ١١٢.
(٤) يفاجئون (م).