لفظ الجنّ عليها. وبهذا المعنى وقع في قوله (وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَ) (١).
فائدة : قال أصحابنا الأشاعرة الجنّ يرون الإنس لأنه تعالى خلق في عيونهم إدراكا والإنس لا يرونهم لأنه تعالى لم يخلق الإدراك في عيون الإنس. وقالت المعتزلة الوجه في أنّ الإنس لا يرون الجنّ أنّ الجنّ لرقة أجسامهم ولطافتها لا يرون ، ولو زاد الله في أبصارنا قوة لرأيناهم كما يرى بعضنا بعضا ، ولو أنه تعالى كثّف أجسامهم وبقيت أبصارنا على هذه الحالة لرأيناهم أيضا. فعلى هذا كون الإنس مبصرا للجنّ موقوف عندهم إمّا على ازدياد كثافة أجسام الجنّ أو على ازدياد قوة إبصار الإنس.
فائدة جليلة : الإنسان قد يصير جنا في عالم البرزخ بالمسخ ، وهذا تعذيب وغضب من الله تعالى على من شاء ، كمن كان يمسخ في الأمم السابقة والقرون الماضية قردة وخنازير ، إلاّ أنّه قد رفع هذا العذاب عن هذه الأمة المرحومة في عالم الشهادة ببركة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، إلاّ ما هو من علامات الساعة الكبرى. فقد ورد في الأحاديث الصحيحة أن يكون في هذه الأمة مسخ وخسف وقذف عند القيامة ، وذلك أي مسخ الإنسان جنا في البرزخ يكون غالبا في الكفار والمؤمنين الظالمين المؤذين والزانين والمغلمين سيما إذا ماتوا أو قتلوا على جنابة. وكذا المرتدين غير تائبين إذا ماتوا غير تائبين. وليس كل من كان كذلك يكون ممسوخا بل من شاء الله تعالى مسخه وعذابه. والمسخ لا يكون في الصلحاء والأولياء أصلا وإن ماتوا على جنابة. ويكون المسخ في القيامة كثيرا كما ورد أنّ كلب أصحاب الكهف يصير بلعما والبلعم يجعل كلبا ويدخل ذلك في الجنة ويلقى هذا في النار. ومن هذا القبيل جعل رأس من رفع ووضع رأسه في الصلاة قبل الإمام رأس حمار. ومنه مسخ آخذ الرّشوة وآكل الربا وواضع الأحاديث وأمثال ذلك كثير ، كذا في شرح البرزخ (٢) لملا معين (٣).
فائدة : اختلفوا : هل من الجنّ رسول أم لا فقال ضحّاك (٤) إنّ من الجنّ رسلا كالإنس بدليل قوله تعالى (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلا فِيها نَذِيرٌ) (٥) وقوله تعالى (وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً) (٦) الآية. قال المفسرون فيه استئناس الإنسان بالإنسان أكمل من استئناسه بالملك ، فاقتضى حكمة الله تعالى أن يجعل رسول الإنس من الإنس لتكميل الاستئناس ، فهذا السبب حامل في الجنّ فيكون رسول الجنّ من الجنّ. والأكثرون قالوا ما كان من الجنّ رسول البتة وإنّما كان الرسول من بني آدم ، واحتجوا بالإجماع هو بعيد لأنه كيف ينعقد الإجماع مع حصول الاختلاف. واستدلّوا أيضا بقوله تعالى (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً) (٧) الآية ، فإنّهم
__________________
(١) الأنعام / ١٠٠.
(٢) لم يرد بعد التفتيش الطويل سوى برزخ أبي سفيان ، وورد شرح البرزخ أي شرحه كاسم لكتاب في سلسلة فهارس المكتبات الخطية النادرة ، فهرس المخطوطات العربية بمكتبة بوهار ، الهند ، كلكتا ، تصنيف هدايت حسين ، ١٩٢٣ ، ج ٢ ، ص ٤٢ ـ ٤٣. لذا ذكرنا ذلك للعلم.
(٣) لم نعثر على ترجمة لملا معين.
(٤) هو الضحاك بن مزاحم البلخي الخراساني ، أبو القاسم. توفي بخراسان عام ١٠٥ هـ / ٧٢٣ م. مفسّر ، كان يؤدب الأطفال. له كتاب في التفسير. الأعلام ٣ / ٢١٥ ، ميزان الاعتدال ١ / ٤٧١ ، العبر للذهبي ١ / ١٢٤ ، تاريخ الخميس ٢ / ٣١٨ ، المجرّة ٤٧.
(٥) فاطر / ٢٤.
(٦) الأنعام / ٩.
(٧) آل عمران / ٣٣.