تعالى (وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ) (١). قيل لم يقل وما أنت بمصدق لنا مع أنه يؤدي معناه مع رعاية التجنيس لأن في مؤمن من المعنى ما ليس في مصدق ، إذ معناه مع التصديق إعطاء الأمن ، ومقصودهم التصديق وزيادة ، وهو طلب الأمن ، فلذلك عبّر به وكقوله تعالى : (أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ) (٢) لم يقل وتدعون أحسن الخالقين مع أنّ فيه رعاية الجناس لأنّ تدع أخصّ من تذر لأنه بمعنى ترك الشيء مع الاعتناء (٣) به بشهادة الاشتقاق ، نحو الإيداع فإنه ترك الوديعة مع الاعتناء بحالها ، ولذا يختار لها من هو مؤتمن عليها. ومن ذلك الدّعة بمعنى الراحة. وأما يذر فمعناه الترك مطلقا أو الترك مع الإعراض والرفض الكلي. قال الراغب : يقال فلان يذر الشيء أي يقذفه لقلة الاعتداد به. ومنه الوذر قطعة من اللحم لقلّة الاعتداد به. ولا شكّ أنّ السياق إنّما يناسب هذا لا الأول. فأريد هاهنا تشنيع حالهم في الإعراض عن ربّهم وأنهم بلغوا الغاية في الإعراض ، كذا ذكر الخولي (٤). وقال الزملكاني (٥) إنّ التجنيس تحسين ، إنما يستعمل في مقام الوعد والإحسان لا في مقام التهويل. هذا كله خلاصة ما في المطوّل والإتقان.
وأما التجنيس عند أهل الفرس فقال في جامع الصنائع : إنّنا نبيّن هذه الصّناعة حسب اصطلاح رجال الأدب الفارسي : إذن نقول : التجنيس عند الفرس هو الإتيان بلفظين متشابهين في الصورة ولكنهما متخالفان في المعنى. وهو أكثر من نوع.
النوع الأوّل البسيط : وذلك بإيراد لفظين متجانسين وهو أيضا قسمان : أحدهما البسيط المتّفق : وذلك بأن يكون اللفظان متفقين في عدد الحروف والإملاء والتّلفّظ ، مثل كلمة خطا التي لها معنيان.
وثانيهما : البسيط المختلف : وذلك بأن يتّفق اللفظان في الأركان ما عدا التركيب.
ومثاله لفظ تارها في هذا المصراع : «تارها كردى از آن زلفين مشكين تارها».
والمعنى (لقد صنعت خيوط السّدى من تلك السّوالف السّوداء المضمخة بالمسك) والثاني عبارة عن لفظين أو ثلاثة قليلة الحروف بحيث تتساوى مع اللّفظ الأوّل ، وهذا النوع ينقسم أيضا إلى قسمين :١ ـ مركّب تام متّفق في جميع الأركان ومثاله في البيت التالي :
همچون لب أو چو ديده ام مرجان را |
|
خواهم كه فداى أو كنم مر جان را |
ومعنى البيت :
حينما رأيت شفته الياقوتيّة |
|
أودّ لو فديته بروحي |
فلفظة مرجان في المصراع الثاني مؤلّف من كلمتين مر وجان بينما هي في المصراع
__________________
(١) يوسف / ١٧.
(٢) الصافات / ١٢٥.
(٣) الاعتقاد (م).
(٤) هو عبد الرحمن بن عبد الله بن داود الخولاني الحرازي اليمني. توفي عام ١٠٠٣ هـ / ١٥٩٥ م. مفسّر ، فقيه ، عالم بالعربية.
له عدة تصانيف هامة. معجم المفسرين ١ / ٢٦٧ ، خلاصة الأثر ٢ / ٣٦٠ ، إيضاح المكنون ١ / ٣٠٤ ، هدية العارفين ٢ / ٣٦٠.
(٥) هو عبد الواحد بن عبد الكريم بن خلف الأنصاري الزملكاني ، أبو المكارم ، كمال الدين. ويقال له ابن خطيب ز ملكا. توفي بدمشق عام ٦٥١ هـ / ٢٥٣ م. أديب ، من القضاة ، له شعر حسن ، وبعض الكتب. الأعلام ٤ / ١٧٦ ، بغية الوعاة ٣١٦ ، طبقات الشافعية ٥ / ١٣٣ ، شذرات الذهب ٥ / ٢٥٤.