الخارق على السّحر على سبيل المجاز. وقال الإمام الرازي في التفسير الكبير في سورة الكهف : إذا ظهر فعل خارق للعادة على يد إنسان فذلك إمّا أن يكون مقرونا بالدعوى أولا. أمّا القسم الأول فتلك الدعوى إمّا أن تكون دعوى الإلهية أو دعوى النبوّة أو دعوى الولاية أو دعوى السّحر وطاعة الشياطين ، فهذه أربعة. الأول ادّعاء الإلهية ويسمّى هذا الخارق الذي يظهر من المتألّه بالابتلاء كما في الشمائل المحمدية. وجوّز أصحابنا ظهور الخارق على يده من غير معارضة ، كما نقل عن فرعون من ظهور الخوارق على يده ، وكما نقل ذلك عن الدّجّال. وإنما جاء ذلك لأنّ شكله وخلقته تدلّ على كذبه ، وظهور الخوارق على يده لا يفضي إلى التلبيس. والثاني ادّعاء النبوّة ، وهذا على ضربين لأنه إمّا أن يكون المدّعي صادقا أو كاذبا. فإن كان صادقا وجب ظهور الخوارق على يده ، وهذا متفق عليه بين كل من أقرّ بصحة نبوة الأنبياء وإن كان كاذبا لم يجز ظهور الخوارق على يده. وبتقدير أن يظهر وجب حصول المعارضة. وأما الثالث وهو ادعاء الولاية فالقائلون بكرامات الأولياء اختلفوا في انه هل يجوز ادّعاء الكرامة ، ثم إنّها تحصل على وفق دعواه أم لا. وأما الرابع وهو ادّعاء السحر وطاعة الشياطين فعند أصحابنا يجوز ظهور الخوارق على يده ، وعند المعتزلة لا يجوز. أمّا القسم الثاني وهو أن تظهر الخوارق على يد إنسان من غير شيء من الدعاوي فذلك الإنسان إمّا أن يكون صالحا مرضيا عند الله أو يكون خبيثا مذنبا. فالأول هو القول بكرامات الأولياء. وقد اتفق أصحابنا على جوازه وأنكرتها المعتزلة إلاّ أبا الحسين (١) البصري وصاحبه محمود الخوارزمي. وأمّا الثاني وهو أن تظهر الخوارق على يد بعض من كان مردودا عن طاعة الله تعالى فيجوز أيضا ، وهذا هو المسمّى بالاستدراج. ثم قال اعلم أنّ من أراد شيئا فأعطاه الله تعالى مراده لم يدل ذلك على كونه وجيها عنده تعالى ، سواء كانت تلك العطية على وفق العادة أو على خلافها ، بل قد يكون ذلك إكراما للعبد وقد يكون استدراجا. ومعنى الاستدراج أن يعطيه الله كلّ ما أراد (٢) في الدنيا ليزداد غيّه وضلاله وجهله وعناده ، فيزداد كلّ يوم بعدا من الله ، وذلك لما تقرّر في العلوم العقلية أنّ تكرّر الأفعال سبب لحصول الملكة الراسخة ، فإذا مال قلب العبد إلى الدنيا ثم أعطاه الله مراده (٣) فحينئذ يصل إلى المطلب ويزيد حصول اللذة والميل ، وزيادته توجب زيادة السعي ، ولا يزال تتقوى كل من هاتين الحالتين درجة فدرجة إلى أن تتكامل وتحصل غاية البعد. فصاحب الاستدراج يستأنس بذلك ويظن أنّه إنّما وجد تلك الكرامة لأنّه كان مستحقّا لها فحينئذ يستحقر غيره وينكر عليه ويحصل له أمر من مكر الله وغفلة ، فإذا ظهر شيء من هذه الأحوال على صاحب الكرامة دلّ ذلك على أنها استدراج ، فإنّ صاحب الكرامة لا يستأنس بها بل يصير خوفه من الله أشدّ وحذره من قهره أقوى ، وإن كان بحسب الواقع كرامة له. ولذا قال المحقّقون أكثر الانقطاع من حضرة الله تعالى إنّما وقع في مقام الكرامات ، فلا جرم ترى المحقّقين يخافون من الكرامات كما يخافون من أشدّ البلايا ، وهذا هو الفرق بين الكرامة والاستدراج. اعلم أنّ للاستدراج أسماء كثيرة في
__________________
(١) هو محمد بن علي بن الطيب البصري ، المتكلم على مذهب المعتزلة. توفى سنة ٤٣٦ في بغداد. وفيات الأعيان ٤ / ٢٧١.
(٢) طلبه (م ، ع).
(٣) مقصوده (م ، ع).