ومنه ما ينتهي إلى تمام الكلام ، ومنه ما يكون في أثنائه. وقال غيره سبب إختلاف السلف في عدد الآي أنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يقف على رءوس الآي للتوقيف ، فإذا علم محلّها وصل للتمام فيحسب السامع حينئذ أنّها فاصلة. وقد أخرج ابن الضريس (١) من طريق عثمان بن عطاء (٢) عن أبيه عن ابن عباس (٣) : قال جميع آي القرآن ستة آلاف آية وستمائة آية وستّ عشرة آية ، وجميع حروف القرآن ثلاثمائة ألف حرف وثلاثة وعشرون ألف حرف وستمائة حرف وسبعون حرفا. وقال الدواني أجمعوا على أنّ عدد الآي ستة آلاف آية ، ثم اختلفوا فيما زاد ، فمنهم من لم يزد ، ومنهم من قال ومائة آية وأربع آيات. وقيل وأربع عشرة. وقيل وتسع عشرة. وقيل وخمس وعشرون. وقيل وست وثلثون.
ثم اعلم أنه قال ابن السّكّيت (٤) : المنزّل من القرآن على أربعة أقسام : مكّي ومدني وما بعضه مكّي وبعضه مدني وما ليس بمكّي ولا مدني. وللناس في المكّي والمدني ثلاثة اصطلاحات : أولها أشهر وهو أن المكي ما نزل قبل الهجرة والمدني ما نزل بعد الهجرة ، سواء نزل بالمدينة أو بمكّة ، عام الفتح أو عام حجّة الوداع أو بسفر من الأسفار ، فما نزل في سفر الهجرة مكّي. وثانيها أنّ المكّي ما نزل بمكّة ولو بعد الهجرة والمدني ما نزل بالمدينة ، فما نزل في الأسفار ليس بمكّي ولا مدني فثبت الواسطة. وثالثها أنّ المكّي ما وقع خطابا لأهل مكّة والمدني ما وقع خطابا لأهل المدينة ، انتهى ما في الإتقان.
والآية عند الصوفية عبارة عن الجمع ، والجمع شهود الأشياء المتفرّقة بعين الواحديّة الإلهية الحقيقيّة. وفي الإنسان الكامل (٥) الآيات عبارة عن حقائق الجمع ، كلّ آية تدلّ على جمع إلهي من حيث معنى مخصوص ، يعلم ذلك الجمع الإلهي من مفهوم الآية المتلوّة. ولا بدّ لكلّ جمع من اسم جمالي وجلالي يكون التجلّي الإلهي في ذلك الجمع من حيث ذلك الاسم ، فكانت الآية عبارة عن الجمع لأنها عبارة واحدة عن كلمات شتى ، وليس الجمع إلاّ شهود الأشياء المتفرّقة بعين الواحديّة الإلهية الحقيقيّة.
__________________
(١) هو محمد بن أيوب بن يحي بن الضريس البجلي الرازي ، أبو عبد الله. ولد حوالي العام ٢٠٠ هـ / ٨١٥ م ومات بالري عام ٢٩٤ هـ / ٩٠٦ م. من حفاظ الحديث. له بعض المؤلفات. الاعلام ٦ / ٤٦ ، تذكرة الحفاظ ٢ / ١٩٥ ، معجم المفسرين ٢ / ٤٩٦ ، طبقات المفسرين للداودي ٢ / ١٠٥ ، العبر ٢ / ٩٨ ، هدية العارفين ٢ / ٢١ ، كشف الظنون ٤٥٨ ، شذرات الذهب ٢ / ٢١٦ ، النجوم الزاهرة ٣ / ١٦٢ ، الوافي ٢ / ٢٣٤.
(٢) هو عثمان بن عطاء بن أبي مسلم ، عبيد الله ، الخراساني ، أبو مسعود المقدسي. ولد في بلخ عام ٨٨ هـ وتوفي عام ١٥٥ ه.
محدث ، ضعّفه العلماء. تهذيب التهذيب ٧ / ١٣٨.
(٣) هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب القرشي الهاشمي ، أبو العباس. ولد بمكة عام ٣ قبل الهجرة / ٦١٩ م ، وتوفي بالطائف عام ٦٨ هـ / ٦٨٧ م. ابن عم النبي صلىاللهعليهوسلم ، من كبار الصحابة وأعلمهم ، لقب بحبر الأمة ، وروى الكثير من الأحاديث ، وسمّي بترجمان القرآن. الاعلام ٤ / ٩٥ ، صفة الصفوة ١ / ٣١٤ ، حلية الأولياء ١ / ٣١٤ ، تاريخ الخميس ١ / ١٦٧ ، معجم المفسرين ١ / ٣١١ ، العبر ١ / ٧٦ ، تاريخ بغداد ١ / ١٧٣ ، طبقات القراء ١ / ٤١ ، شذرات الذهب ١ / ٥٧ ، طبقات السبكي ١١ / ٣٦٥ ، تهذيب التهذيب ٥ / ٢٧٦.
(٤) هو يعقوب بن إسحاق بن السكيت ، أبو يوسف. ولد بالقرب من البصرة عام ١٨٦ هـ / ٨٠٢ م وتوفي ببغداد عام ٢٤٤ هـ / ٨٥٨ م. إمام في اللغة والأدب ، وكان متشيّعا. ترك الكثير من المؤلفات. الأعلام ٨ / ١٩٥ ، وفيات الاعيان ٢ / ٣٠٩ ، الفهرست ٧٢ ، هدية العارفين ٢ / ٥٣٦ ، دائرة المعارف الاسلامية ١ / ٢٠٠.
(٥) الإنسان الكامل في معرفة الأواخر والأوائل لعبد الكريم بن ابراهيم الجيلي (ـ ٨٠٥ هـ) وهو كتاب في اصطلاحات الصوفية ، القاهرة ، ١٢٩٣ هـ في جزءين. كشف الظنون ١ / ١٨١. معجم المطبوعات العربية ٧٢٨.