ارتفاعها مع بقاء ماهية الثلاثة موجودة ، فالحال (١) هاهنا المتصوّر فقط ، وهناك التّصوّر والمتصوّر معا ، والسّرّ في ذلك أنّ ارتفاع الجزء هو بعينه ارتفاع الكلّ لا أنّه ارتفاع آخر. ومن المستحيل أن يتصوّر انفكاك الشيء عن نفسه ، بخلاف ارتفاع اللوازم فإنّه مغاير لارتفاع الماهيّة تابع له فأمكن تصوّر الانفكاك بينهما مع استحالته ، وكذا ارتفاع الماهيّة مغاير لارتفاعها مستتبع له ، فجاز أن يتصوّر انفكاك أحدهما عن الآخر. ويقال أيضا الذّاتي ما لا يحتاج إلى علّة خارجة عن علّة الذّات بخلاف العرضي فإنّه محتاج إلى الذّات وهي خارجة عن علّتها ، كالزوجية للأربعة المحتاجة إلى ذات الأربعة. ويقال أيضا هو ما لا تحتاج الماهيّة في اتّصافها به إلى علّة مغايرة لذاتها ، فإنّ السّواد لون لذاته لا بشيء آخر يجعله لونا ، وهذه خاصة إضافية لأن لوازم الماهية كذلك ، فإن الثلاثة فرد في حد ذاته لا بشيء آخر يجعلها متّصفة بالفردية. هذا كلّه خلاصة ما في شرح المطالع ، وما حقّقه السّيد الشريف في حاشيته.
وذكر في العضدي أنّ الذّاتي ما لا يتصوّر فهم الذات قبل فهمه. وقال السّيد الشريف في حاشيته مأخذه هو ما قيل من أنّ الجزء لا يمكن توهّم ارتفاعه مع بقاء الماهيّة بخلاف اللاّزم إذ قد يتصوّر ارتفاعه مع بقائها. فمعناه أنّ الذّاتي محمول لا يمكن أن يتصوّر كون الذات مفهوما حاصلا في العقل بالكنه ، ولا يكون هو بعد حاصلا فيه. وهذا التعريف يتناول نفس الماهيّة إذ يستحيل تصوّر ثبوتها عقلا قبل ثبوتها فيه. والجزء المحمول إذ يمتنع تصوّر ثبوت الذّات في العقل وهو معنى كونه مفهوما قبل ثبوته فيه ، أي مع ارتفاعه عنه.
ثم قال صاحب العضدي وقد يعرف الذاتي بأنّه غير معلّل. قال المحقق التفتازاني أي ثبوته للذّات لا يكون لعلّة لأنّه إمّا نفس الذّات أو الجزء المتقدّم ، بخلاف العرضي فإنّه إن كان عرضا ذاتيا أوليا يعلّل بالذات لا محالة كزوجية الأربعة ، وإلاّ فبالوسائط كالضحك للإنسان لتعجبه. وما يقال إنّه إن كان لازما بيّنا يعلّل بالذّات ، وإلاّ فبالوسائط إنّما يصحّ لو أريد العلة في التصديق ، ولو أريد ذلك انتقض باللوازم البيّنة فإنّ التصديق بثبوتها للملزومات لا يعلّل بشيء أصلا. نعم يشكل ما ذكر بما أطبق المنطقيون من أنّ حمل الأجناس العالية على الأنواع إنّما هو بواسطة المتوسّطات ، وحمل المتوسّطات بواسطة السّوافل ، حتى صرّح ابن سينا أنّ الجسمية للإنسان معلّلة بحيوانيّته انتهى. ومرجع هذا التعريف إلى ما مرّ سابقا من أنّ الذاتي ما لا يحتاج إلى علّة خارجة عن علّة الذات كما لا يخفى. ثم قال صاحب العضدي : وقد يعرف الذّاتي بالترتّب العقلي ، وهو الذي يتقدّم على الذّات في التّعقّل انتهى. وذلك لأنّهما في الوجود واحد لا اثنينية أصلا ، فلا تقدّم ، وهذا التفسير مختصّ بجزء الماهيّة والأوّلان يعمّان نفس الماهيّة أيضا. وحقيقة التّعريفين الأخيرين يرجع إلى الأوّل ، وهو ما لا يتصوّر فهم الذات قبل فهمه لأنّ عدم تعليل الذّاتي مبني على أنّه لا يمكن فهم الذّات قبل فهمه ، بل بالعكس ، والتقدّم في التعقّل مستلزم لذلك. وإن لم يكن مبنيا عليه. كذا ذكر المحقّق التفتازاني في حاشيته.
ومنها في غير كتاب إيساغوجي ، قال شارح المطالع والسّيد الشريف ما حاصله إنّ للذّاتي معان أخر في غير كتاب إيساغوجي يقال عليها بالاشتراك ، وهي على كثرتها ترجع إلى أربعة أقسام :
__________________
(١) المحال (م).