قال عليهالسلام «من رآني في المنام فقد رآني» (١) قال القاضي الباقلاني : معناه رؤيا عليهالسلام صحيحة ليست بأضغاث أحلام ولا من تشبيهات الشيطان ، فإنّه قد يراه الرائي على خلاف صفته المعروفة كمن يراه أبيض اللحية ، وقد يراه شخصان في زمان واحد أحدهما في المشرق والآخر في المغرب ، ويراه كل منهما في مكانه. وقال آخرون بل الحديث على ظاهره وليس لمانع أن يمنعه ، فإنّ الفعل لا يستحيله حتى يضطر إلى التأويل. وأمّا قوله فإنّه قد يرى على خلاف صفته أو في مكانين فإنّه تغيّر في صفاته لا في ذاته فتكون ذاته مرئية ، والرؤية أمر يخلقها الله تعالى في الحيّ لا بشرط لا بمواجهة ولا تحديق الأبصار ولا كون المرئي ظاهرا ، بل الشرط كونه موجودا فقط حتى جاز رؤية أعمى الصين بقّة أندلس ، ولم يقم دليل على فناء جسمه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، بل جاء في الحديث ما يقتضي بقاؤه. وقال أبو حامد الغزالي ليس معناه أنه رأى جسمي وبدني بل رأى مثالا صار ذلك المثال آلة يتأدى بها المعنى الذي في نفسي إليه ، بل البدن في اليقظة أيضا ليس إلاّ آلة النفس. فالحق أنّ ما يراه مثال حقيقة روحه المقدّسة التي هي محل النبوة. فما رآه من الشكل ليس روح النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ولا شخصه بل هو مثال له على التحقيق. أقول فله ثلاث توجيهات وخير الأمور أوساطها ، قوله عليهالسلام : «فإنّ الشيطان لا يستطيع أن يتمثّل بي» (٢) أي لا يتمثّل ولا يتصوّر بصورتي. قال القاضي عياض : قال بعضهم خصّ الله تعالى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بأنّ رؤية الناس إيّاه صحيحة وكلّها صدق ، ومنع الشيطان أن يتمثّل في خلقه لئلاّ يكذب على لسانه في النوم ، كما خرق الله تعالى العادة للأنبياء بالمعجزة. وكما استحال أن يتصوّر الشيطان في صورته في اليقظة. قال محي السنة : رؤيا النبي صلىاللهعليهوسلم في المنام حقّ لا يتمثّل الشيطان به وكذلك جميع الأنبياء والملائكة عليهمالسلام انتهى. فإن قلت إذا قلنا إنّه رآه حقيقة فمن رآه في المنام هل يطلق عليه الصحابي أم لا؟ قلت لا إذ لا يصدق عليه حدّ الصحابي وهو مسلم رأى النبي صلىاللهعليهوسلم إذ المراد منه الرؤية المعهودة الجارية على العادة أو الرؤية في حياته في الدنيا ، لأنّ النبي صلىاللهعليهوسلم هو المخبر عن الله تعالى وهو ما كان مخبرا للناس عنه إلاّ في الدنيا لا في القبر. ولذا يقال مدة نبوته ثلاث وعشرون سنة. على أنّا لو التزمنا إطلاق لفظ الصحابي عليه لجاز وهذا أحسن وأولى. فإن قلت الحديث المسموع عنه في المنام هل هو حجة يستدل بها أم لا؟ قلت لا إذ يشترط في الاستدلال به أن يكون الراوي ضابطا عند السماع والنوم ليس حال الضبط كما في كرماني شرح صحيح بخاري. وقال عبد الله : قوله من رآني في المنام أي رآني على نعتي التي أنا عليه ، فلو رآه على غير نعته لم يكن رآه لأنّه قال رآني ، وهو إنّما يقع على نعته. وفي مفتاح الفتوح (٣) وسراج المصابيح (٤) أيضا قيل المعنى والله أعلم أنّه إذا رأى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في الصورة التي كان عليها فقد رأى الحق
__________________
(١) المعجم الكبير للطبراني ١٢ : ٣٨ ، ١ : ٢٨٢. مصنف ابن ابي شيبة ١١ : ٥٥ ـ ٥٦. واخرجه بلفظ في النوم مسلم ١٧٧٦ وأحمد ج ١ ص ٣٦١ ، ج ٣ ص ٣٥٠.
(٢) مجمع الزوائد للهيثمي : ٧ : ١٧٣ ، ١٨١. صحيح مسلم ١٧٧٥.
(٣) من شروح المصابيح للبغوي (ـ ٥١٦ هـ). ذكر فيه المؤلف انه جمعه من شرح السنة والغريبين والفائق والنهاية ووضع حروف الرموز لتلك الكتب وفرغ منه سنة ٧٠٧ ه. كشف الظنون ، ٢ / ١٧٠١.
(٤) هناك مختصر لمشكاة المصابيح ، الذي ألّفه محمد بن عبد الله الخطيب سنة ٧٣٧ هـ ، مع شرح فارسي بعنوان «سراج الهداية» لسراج الدين حسين بن بهاء الدين شاه جهان آبادى. بروكلمان ، ج ٦ ، ص ٢٤٢.