وهي علة فاعلة ، تحتاج في تمام عليتها ، ووجوب الفعل بها إلى أمور خارجة ، كحضور المادة القابلة ، وصلاحية أدوات الفعل وغيرها ، تصير باجتماعها علة تامة ، يجب معها الفعل.
ومن هنا يظهر أولا ، عدم استقامة تحديد بعضهم للقدرة بأنها ، ما يصح معه الفعل والترك ، فإن نسبة الفعل والترك إلى الفاعل ، إنما تكون بالصحة والإمكان ، إذا كان جزءا من العلة التامة ، لا يجب الفعل به وحده ، بل به وببقية الأجزاء التي تتم بها العلة التامة ، وأما الفاعل التام الفاعلية ، الذي هو وحدة علة تامة كالواجب تعالى ، فلا معنى لكون نسبة الفعل والترك إليه بالإمكان.
ولا يوجب كون فعله واجبا أن يكون موجبا ، مجبرا على الفعل غير قادر عليه ، إذ هذا الوجوب لاحق بالفعل من قبله ، وهو أثره فلا يضطره إلى الفعل ، ولا أن هناك فاعلا آخر يؤثر فيه ، بجعله مضطرا إلى الفعل.
وثانيا بطلان ما قال به قوم ، إن صحة الفعل ، متوقفة على كونه مسبوقا بالعدم الزماني ، فالفعل الذي لا يسبقه عدم زماني ممتنع ، وهو مبني على القول بأن علة الاحتياج إلى العلة ، هي الحدوث دون الإمكان ، وقد تقدم (١) إبطاله وإثبات أن علة الحاجة إلى العلة ، هو الإمكان دون الحدوث ، على أنه منقوض بنفس الزمان.
وثالثا بطلان قول من قال ، إن القدرة إنما تحدث مع الفعل ، ولا قدرة على فعل قبله ، وفيه أنهم يرون أن القدرة ، هي كون الشيء بحيث يصح منه الفعل والترك ، فلو ترك الفعل زمانا ثم فعل ، صدق عليه قبل الفعل ، أنه يصح منه الفعل والترك وهي القدرة.
__________________
(١) في الفصل الثامن من المرحلة الرابعة.