بالذات إلا هو تعالى ، فقدرته تعالى عامة حتى للأفعال الاختيارية.
ومن طريق آخر ، الأفعال كغيرها من الممكنات معلولة ، وقد تقدم (١) في مرحلة العلة والمعلول ، أن وجود المعلول رابط بالنسبة إلى علته ، ولا يتحقق وجود رابط إلا بالقيام بمستقل يقومه ، ولا مستقل بالذات إلا الواجب بالذات ، فهو مبدأ أول لصدور كل معلول متعلق الوجود بعلة ، وهو على كل شيء قدير.
فإن قلت الالتزام بعموم القدرة ، للأفعال الاختيارية التزام بكونها جبرية ، فإن لازمه القول بتعلق الإرادة الإلهية ، بالفعل الاختياري ، وهي لا تتخلف عن المراد ، فيكون ضروري الوقوع ، ويكون الإنسان مجبرا عليه لا مختارا فيه ، وبوجه آخر ما وقع من الفعل ، متعلق لعلمه تعالى فوقوعه ضروري ، وإلا عاد علمه جهلا ، تعالى عن ذلك فالفعل جبري لا اختياري.
قلت كلا فالإرادة الإلهية ، إنما تعلقت بالفعل على ما هو عليه في نفسه ، والذي عليه الفعل هو أنه منسوب إلى الإنسان ، الذي هو جزء علته التامة بالإمكان ، ولا يتغير بتعلق الإرادة عما هو عليه ، فقد تعلقت الإرادة بالفعل من طريق اختيار الإنسان ، ومراده تعالى أن يفعل الإنسان الفعل الفلاني باختياره ، ومن المحال أن يتخلف مراده تعالى عن إرادته.
والجواب عن الاحتجاج بتعلق العلم الأزلي ، بالفعل كالجواب عن تعلق الإرادة به ، فالعلم إنما تعلق بالفعل على ما هو عليه ، وهو أنه فعل اختياري ، يتمكن الإنسان منه ومن تركه ، ولا يخرج العلم المعلوم عن حقيقته ، فلو لم يقع اختياريا كان علمه تعالى جهلا.
فإن قلت ، السلوك إلى بيان عموم القدرة من طريق ، توقف وجود المعلول الممكن على وجوبه بالغير ، وانتهاء ذلك إلى الواجب بالذات ، ينتج خلاف
__________________
(١) في الفصل الثالث من المرحلة السابقة.