لفاعلها ولا مرتبطة به ، ومثلوا له بمن يحفر بئرا ، ليصل إلى الماء فيعثر على كنز ، والعثور على الكنز ، ليس غاية لحفر البئر مرتبطة به ، ويسمى هذا النوع من الاتفاق بختا سعيدا ، وبمن يأوي إلى بيت ليستظل فينهدم عليه فيموت ، ويسمى هذا النوع من الاتفاق بختا شقيا.
وعلى ذلك بنى بعض علماء الطبيعة كينونة العالم ، فقال إن عالم الأجسام مركبة من أجزاء ، صغار ذرية مبثوثة في خلاء غير متناه ، وهي دائمة الحركة فاتفق أن تصادمت جملة منها ، فاجتمعت فكانت الأجسام فما صلح للبقاء بقي ، وما لم يصلح لذلك فنى سريعا أو بطيئا.
والحق أن لا اتفاق في الوجود ، ولنقدم لتوضيح ذلك مقدمة ، هي أن الأمور الكائنة ، يمكن أن تتصور على وجوه أربعة ، منها ما هو دائمي الوجود ، ومنها ما هو أكثري الوجود ، ومنها ما يحصل بالتساوي ، كقيام زيد وقعوده مثلا ، ومنها ما يحصل نادرا وعلى الأقل ، كوجود الإصبع الزائد في الإنسان.
والأمر الأكثري الوجود يفارق الدائمي الوجود ، بوجود معارض يعارضه في بعض الأحيان ، كعدد أصابع اليد فإنها خمسة على الأغلب ، وربما أصابت القوة المصورة للإصبع مادة زائدة صالحة لصورة الإصبع ، فصورتها إصبعا ومن هنا يعلم ، أن كون الأصابع خمسة مشروط بعدم مادة زائدة ، وأن الأمر بهذا الشرط دائمي الوجود لا أكثريه ، وأن الأقلي الوجود مع اشتراط المعارض ، المذكور أيضا دائمي الوجود ، لا أقليه وإذا كان الأكثري والأقلي دائميين بالحقيقة ، فالأمر في المساوي ظاهر ، فالأمور كلها دائمية الوجود ، جارية على نظام ثابت لا يختلف ولا يتخلف.
وإذا كان كذلك ، فلو فرض أمر كمالي مترتب على فعل فاعل ، ترتبا دائميا لا يختلف ولا يتخلف ، حكم العقل حكما ضروريا فطريا بوجود رابطة وجودية ، بين الأمر الكمالي المذكور وبين فعل الفاعل ، رابطة تقضي بنوع من الاتحاد الوجودي بينهما ، ينتهي إليه قصد الفاعل لفعله وهذا هو الغاية.