قلت : من فعل هذا بشارفي؟ قالوا : عمّك حمزة فعله وهذا هو في البيت معه شرب ، عندهم قينة وحلفوا فقالت :
ألا يا حمز المشرف النواء |
|
[وهنّ معقّلات بالفناء] |
زج السكين في اللبات منها |
|
فضرجهن حمزة بالدماء |
وأطعم من شرائحها كبابا |
|
مهلوجة على رهج الصلاء |
فأصلح من أطايبها طبيخا |
|
لشربك من قدير أو سواء |
فأنت أبا عمارة المرجيّ |
|
لكشف الضرّ عنّا والبلاء |
فقام الى شارفيك فقتلهما ، [قال علي :] فجئت رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو في بيت أم سلمة معه مولاه زيد قال : [ما جاء بك] فداك أبي وأمي يا عليّ ، قلت [ما فعل عمّك] بشارفيّ وخبّرته الخبر ، فقام رسول الله صلىاللهعليهوسلم فلبس نعليه ورداءه ثم انطلق يمشي واتبعته أنا وزيد فسلّم وأستأذن ودخل البيت وقال : يا حمزة ما حملك على ما فعلت بشارفيّ ابن أخيك؟ فرفع رأسه وجعل ينظر إلى يديّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم وإلى ساقيه ، فصوّب النظر إليه ، ثم قال : ألستم وآباؤكم عبيد لأبي ، فرجع رسول الله صلىاللهعليهوسلم القهقرى وقال : إن غنمك وجمالك عليّ [فغرمهما] لي رسول الله صلىاللهعليهوسلم (١).
فلما أصبح غدا حمزة على رسول الله يعتذر فقال : مه يا عمّ فقد سألت الله فعفا عنك.
قالوا : واتخذ عتبان بن مالك طعاما فدعا رجالا من المسلمين فيهم سعد بن أبي وقاص وكان قد شوى لهم رأس بعير ، فأكلوا وشربوا الخمر حتّى أخذت منهم ، ثم إنهم افتخروا عند عتبان وانتسبوا وتناشدوا الأشعار ، فأنشد سعد قصيدة فيها هجو الأنصار وفخر لقومه ، فقام رجل من الأنصار وأخذ لحيي البعير فضرب به رأس سعد [فشجّه شجّة] ، فانطلق سعد إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم وشكا إليه الأنصاري فقال عمر رضياللهعنه : اللهم بيّن لنا رأيك في الخمر بيانا وافيا ، فأنزل الله تحريم الخمر في سورة المائدة (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ) إلى (يَنْتَهُونَ) وذلك بعد غزوة الأحزاب بأيام فقال عمر : انتهينا يا ربّ (٢).
قال أنس : حرّمت ولم يكن يومئذ للعرب عيش أعجب منها إليهم يوم حرّمت عليهم ، ولم يكن شيء أثقل عليهم من تحريمها قال : فأخرجنا الحباب إلى الطريق فصببنا ما فيه ، فمنّا من كسر حبّه ، ومنّا من غسله بالماء والطين ، ولقد [غدت] أزقة المدينة بعد ذاك الحين كلّما مطرت استبان بها لون الخمر وفاحت ريحها.
فأمّا ماهية الخمر فاختلف الفقهاء فيها فقال بعضهم : هو خاص فيما اعتصر من العنبة
__________________
(١) أسباب النزول بتفاوت : ١٣٩ ـ ١٤٠.
(٢) إعانة الطالبين : ٤ / ١٧٤.